- السراج الأرثوذكسي - https://www.alsiraj.org/blog -

إشارة الصليب

[1]

[2]

إشارة الصليب

مقدمة

كان الصليب ألة للإعدام عند الرومانيين ورمزاً للحقارة، هذا هو الصليب الذي نصب على جبل الجلجلة وسط سخرية الجماهير، وغضب العلماء وقساوة الجند. لقد صرخت الجماهير ، بأصوات شقت كبد السماء، والحقد يتطاير من الأعين: ارفعوه، ارفعوه ، حتى يراه العالم. بيد أن الصليب ، تلك الألة الصماء، فتح ذراعيه ليحتضن فادي الأنام ومبدع الأكوان، فكان بذلك رمزاً للمحبة والتواضع والتضحية والغفران.

بعد أقوال الأباء

لا يسمح المجال لتدوين كل ما قاله الأباء والكتاب في مختلف البلدان وعلى مر العصور في الصليب إلا اننا نكتفي منها بالقليل، علها تقودنا، إلى زيادة تفهم ضرورة الصليب، في سر الفداء.

1_ خاطب بولس الرسول أهالي كورنثوس بقوله:

“ان كلمة الصليب عند الهالكين جهالة، واما عندنا نحن المخلصين فهي قوة الله”

وأوضح ذلك القديس يوحنا الذهبي الفم فقال:

“الصليب هو إرادة الأب ومجد الإبن وفرح الروح القدس. الصليب هو فخر بولس ” قد جزمت بأن لا أعرف بينكم شيئاً إلا يسوع المسيح واياه مصلوباً” (1 كور : 2:2). الصليب يفوق الشمس ضيأً وشعاعاً وبهاءً كأن الشمس تظلم حينما يشع الصليب. الصليب مزق صك هلاكنا، وطحن سلاسل الموت، الصليب هو عربون محبة الله. أن الله أحب العالم حتى بذل ابنه الوحيد حتى لا يهلك كل الذين يؤمنون به.

ولما كنا أعداء الله كما كتب الرسول صولحنا معه بإبنه الوحيد. الصليب هو سور لا ينهدم وسلاح لا يقهر. سلام الغني وكنز الفقير والحائط الذي ينجينا من صدمات
العدو.. هو ضربة للرذائل وعربون للفضائل هو الذي فتح أبواب الفردوس وادخل اللص إليه”.

2_ وقد دونت الكنيسة المقدسة في كتاب الميناون هذه القطعة الرائعة:

“الصليب حافظ كل المسكونة، الصليب جمال الكنيسة، الصليب عزة الملوك، الصليب ثبات المؤمنين، الصليب مجد الملائكة وجرح الشياطين”

3_ وجاء في كتاب الإقتداء بالمسيح لتوما الكمبيسي، السفر الثاني، الفصل 11 ما يلي:

“بالصليب الخلاص ، بالصليب الحياة، بالصليب النجاة من الأعداء بالصليب قوة النفس، بالصليب فرح الروح، بالصليب رأس الفضيلة، بالصليب كمال القداسة، ليس للنفس خلاص ولا رجاء بالحياة الأبدية إلا بالصليب”.

4_ وقال القديس باسيليوس الكبير أحد أقمار الكنيسة المقدسة:
“الصليب، هو كتاب الجلجلة الدموي، هو إشارة خلاصنا، بل رايتنا وسلاحنا، نمشي ورائه، ونلتف حوله، في ساعات ايماننا العصبية”.

كيفية رسم إشارة الصليب
رسم إشارة الصليب بثلاث أصبع، شكل قديم، عم قبلاً الكنيستين الشرقية والغربية، ويسمى أيضاً طريقة رسم اشارة الصليب البيزنطية التي كانت شائعة في الكنيسة الاتينية حتى القرن الثالث عشر. وقد نشر الاستاذ حبيب زيات في كتابه ” الصليب في الاسلام” صفحة 36, كلاماً صرح به البابا إينوشنسيوس الثالث نفسه في كلامه على سر المذبح المقدس

(Innocent III، De sacro Altaris mysterio Livre II، Chap. XLV)

وقد جمعها الأب من Migne في كتابه “خزانة الأباء اللاتين” (patrologie latine). قال البابا إينوشنسيوس الثالث ما يلي تعريبه بحروفه:

“يجب أن يرسم الصليب بثلاث أصابع لأنه به يشار إلى سر الثالوث الذي أومأ إليه النبي بقوله(أشعيا: الاصحاح الأربعون العدد 12 من التوراة طبعة مجمع نشر الامان سنة 1671) ” من علق بثلث أصابع جرم الأرض” وهذا الرسم يبدأ من فوق إلى تحت. ثم بالاتجاه من اليمين إلى اليسار. لان المسيح نزل من السماء إلى الأرض ثم إنتقل من اليهود إلى الوثنين. ويرسم بعضهم الصليب بالاشارة إلى اليسار ثم إلى اليمين. لأننا ننتقل من أكدار هذه الدنيا إلى المجد كما إنتقل المسيح من الموت إلى الحياة ومن الجحيم إلى النعيم. وعلى هذا الوجه يكون رسم الصليب واحداً على أنفسنا وعلى غيرنا. لأنه مما لا يخفى اننا إذا رسمنا الصليب على غيرنا نذهب به من اليسار إلى اليمين. ولكننا إذا تأملنا يتضح لنا اننا في الواقع نتجه من اليمين إلى اليسار لأننا إذا رسمنا الصليب على من امامنا نشير إليه وجهاً إزاء وجه لا من خلفنا.”

ورغم كون كلمة البابا إينوشنسيوس لا تحتاج إلى تأييد فأنه لا يسعنا إلا أن نؤيد شهادته بما رواه الانبا ميخائيل القبطي من اساقفة القرن الحادي عشر في ” كتاب السنن” التي إنفرد بها الأقباط الارثوذكسيون. باريس رقم 158 ص 2:

“أن الفرنج يرسمون إشارة الصليب بثلاث أصابع: الابهام والسبابة والوسطى وبذلك يقصدون الثالوث.”

معنى إشارة الصليب

اشارة رسم الصليب، هي خلاصة لدستور الإيمان الأرثوذكسي. إما كيفية الرسم فتكون على الشكل الأتي:

تضم الأصابع الثلاث الاولى أي: الابهام والسبابة والوسطى، من اليد اليمنى، وتطوى الأصبعان الأخيرتان: الخنصر والبنصر، على راحة اليد، ثم توضع الأصابع الثلاث الاولى على الجبهة، فعلى الصدر، فعلى الكتفين اليمنى ثم اليسرى، ويقال:

” بإسم الأب والابن والروح القدس. الإله الواحد. أمين”.

ولرسم اشرة الصليب معنيان:

1_ تشير الأصابع إلى وحدانية الله في ثلاثة أقانيم. أما الجبهة، فتشير إلى أن مسكن الله هو السماء. وأنه رأس الكل، لأن المسيح هو رأس الكنيسة. أما نقل الأصابع من أعلى إلى ادنى فيشير إلى إنحدار المسيح من السماء، وإتخاذه جسداً بشرياً في أحشاء البتول. أما وضع الأصابع على الكتف اليمنى، فيشير إلى خلاصنا وصعود المسيح إلى السماء وجلوسه من عن يمين الأب. وأما وضعها على الكتف اليسرى، فيشير إلى خلاص بني إسرائيل من اليمين والوثنيين من اليسار،وأن المسيح، كما يقول دستور ألايمان، سيأتي في مجد ليدين الأحياء والأموات فيقيم الصديقين من عن يمينه والاشرار من عن يساره.

2_ وضع الأصابع على الجبهة، يدل على التماسنا من الله أن يعطينا عقلاً نيراً لتفهم وصاياه، ووضعها على الصدر أن يمنحنا قلباً مندفعاً إلى عمل الخير، ووضعها على الكتفين أن يهبنا صحة النفس والجسد.

الاصبعان المطبقتان على راحة اليد تدلان على أن للمسيح طبيعتين: طبيعة إلهية وطبيعة بشرية أي أنه إله تام وانسان تام.وأما راحة اليد فترمز إلى العذراء المباركة التي حملت في حشاها البتولي الذات الإلهية.

وفي كلتا الحالتين يرمز المجموع إلى اننا بالصليب أفتدينا واننا به نتسلح واننا اتخذناه لنا شعاراً في حياتنا.

بعد أن تفهمت أيها القارىء العزيز، معنى إشارة الصليب وجب عليك أن ترسمها في كل صباح وفي كل مساء وفي بدء كل صلاة وفي ختامها وعند الشروع في أي عمل وفي كل ظرف من ظروف الحياة، مفرحة كانت هذه الظروف أم مكدرة.

الخلاصة

بواسطة الصليب شعت أنوار الخلاص فأضاءت العالم بتعاليم التضحية والمحبة. الصليب ختام عهد مضى وبداءة عهد جديد. لقد ظن الأثمة برفعهم عود الصليب، أنهم صلبوا المسيح، إلا أنهم رفعوه للحقيقة مناراً لكي يرى العالم بؤسه بواسطته. فوق كل مرتفع جلجلة وعلى كل تلة صليب. أنت أيها الصليب لقد افتتحت العالم بالمحبة، بلا أي سلاح. أنت موجود في كل مكان، عند العالم وعند الجاهل، في الحاضرة الكبرى، وفي القرية النائية، في القصور الفخمة وفي الأكواخ الحقيرة. أنت أيها الصليب نبع للعطاش لا ينضب ماؤه ماينفك يتدفق في بحيرة المحبة الغير المتناهية.

حليم ميشال نهرا