- السراج الأرثوذكسي - https://www.alsiraj.org/blog -

عيد القديس الشهيد في الكهنة يوسف الدمشقي – الشهادة الدم والشهادة البيضاء

[1]

” عزيز في عيني الرب موت اتقيائه “

( مزمور 115: 15)

ايها الاحباء: المسيح قام …

عيدّنا الاحد الماضي للقديسين الشهداء في دير سيدة الحمطورة في الكورة،واليوم في العاشر من تموز تعيّد كنيستنا المقدسة بعيد القديس العظيم الشهيد الخوري يوسف مهنا الحداد. ورفقائه الشهداء الذين يترواح عددهم بين 4 آلاف و7 آلاف شهيدا، استشهدوا اثناء الفتنة الشهيرة عام 1860 في دمشق وبيروت .

هنا نسأل ما أَهميَّة الشُهداء في الكنيسة المسيحيَّة؟ الربُّ يسوعَ المسيح لهُ المجد، أَعلَمَ رُسُلَهُ بأَنَّ مصيرَهُم في العالم سيكونُ قاسياً لأَنَّهم سيتعرَّضونَ للإِهاناتِ والمحاكماتِ والموتِ من أَجلِه. ولَفتَ نظرَهم الى أَنَّهم لا يجوز أَن ينكُرهُ أَحدُهُم وإلاّ نكَرَهُ هوَ أَمامَ أَبيهِ السماوي.

الإِعتراف بربِّنا يسوعَ المسيح هو أَمرٌ حتميٌّ ومَن يَنكُر ربَّنا يسوع المسيح أَمامَ الصعوبات، يتعرَّض لنكران ربِّنا يسوع لهُ أَمامَ أَبيهِ السماوي. كلامُ ربِّنا يسوع قاطع.

لا يرضى الرب بأَن يكونَ المسيحي جَباناً. المطلوب من المسيحي أَن يكونَ بطلاً يتقَدَّم الى منابرِ الإِستشهاد بِبَسالةٍ مُطلَقة وبِلا خوفٍ لأَنَّ الرُّوح القُدُس يَعضُدهُ ويُعطيه فَماً وحِكمةً فلا يستطيع المقاومونَ أَن ينتصروا عليهِ.

لذا اتخذ الشهداء مكانة كبيرة في ضمير المسيحيين الأوائل، اذ كان الموت شهادة على الإيمان بيسوع دافعا للمسيحيين لكي يكرموا الشهيد ويقدموا له الاحترام .

يقول اوريجنس (القرن الثالث): “ليس من شرف اكبر للكنيسة من ان تقدّم شهيدا للسماء. وليس هنالك لقب لدى البشر يساوي لقب الشهداء.

لا يوجد في كل تاريخ البشرية شهداء مثل شهداء المسيحية، في حماسهم وشجاعتهم وإيمانهم ووداعتهم وصبرهم واحتمالهم و فرحهم بالاستشهاد ، فقد كانوا يقبلون الموت في فرح وهدوء ووداعة تذهل مضطهديهم.

ايها الاحباء:كل مسيحي اعتمد وختم بالميرون المقدس هو مشروع استشهاد،هو ذبيحة ليسوع المسيح،هو نفسه يقربنا للآب ذبيحة محرقة قربانا بالروح القدس الساكن فينا .

في المعمودية نلبس ثوب الاستشهاد ولذلك الخوف والمسيحية لا يجتمعان. الإِنهزامُ والمسيحيَّة لا يجتمعان.

المسيحيُّ بطلٌ روحيٌّ مستعدٌّ دوماً للموتِ من أَجلِ المسيح. لا يهرب من المعركة، لا ينهزم، لا يتضعضع، لا ينهار. وإِن ضَعُفَ خسِرَ الإِمتلاء من الرُّوح القُدُس.

كيف احتَمَلَ الشُهداء العذابات المضنِيَة؟ هذا هو الرُّوح القُدُس الساكن فيهم هو الَّذي جعَلَهم يحتملونَ كلَّ هذه الآلام المضنيَة فكانوا في فرَحٍ وغِبطة.

كيفَ استَمَرَّت كنيستنا الارثوذكسية الإِنطاكية عبر التاريخ رافعة الرأس رُغمَ كل الظروف؟ بِفضلِ دماء الشهداء. آباؤنا وأَجدادُنا الَّذينَ حافظوا على الايمان الأُرثوذكسي في هذا الشرق، إِنتَقلوا الى النعيم الأَبَدي. هم مفخُرتُنا إِن كُنَّا نعلم بهم أَو لا نعلم. عدَدُهم كبير وهُم الآن لدى العرش السماوي في المجد الأَبدي عند الله له المجد.

ونحنُ في هذا المشرق اصطبغنا بدِماء الشهداء، علينا أَن نشعُر دائماً بأَنَّنا أَبناء الشهداء، الَّذينَ حمَوا الإِيمان الأُرثوذكسي بدِمائهم، بصبرِهِم، بِطول أناتِهم، ترَكوا لنا هذه الجوهرَة العظيمة جداً.

ايها الاحباء:أن مُعلمي الكنيسة على مر التاريخ المسيحي ، علَّموا أن المسيحي الحقيقي لا يضطرب من شيء ابدا ولا يخشى الموت أو يخافه ، ويتشح بالسواد ، أو يضع شريطة سوداء على صورة شهيد ، بل يفرح ويضع اللون الأبيض في كل مكان ويعتبر هذا اليوم عيد ، حتى أن الآباء في يوم استشهادهم اعتبروه ميلادهم الجديد.

فمن هو الذي يقبل الشهادة أو أن يُهان بسبب أنه مسيحي، بل ويقبل الموت بسهولة وفرح لأجل اسم الرب،إلا من كان له إيمان حي بالمسيح الرب وله نفس ذات البذرة التي تنمو في داخله ، وهي بذرة ملكوت الله التي تم زرعها فينا كخليقة جديدة اعتمدنا لموت المسيح وقمنا بقيامته في سر معموديتنا التي ينبغي أن نعيشها بسر الصليب في مجد قيامة يسوع من بين الأموات

أيضا علَّم الآباء بأن كل من لا يستعد ليموت آلام المسيح الرب الذي مات لأجلنا بالحب،  فإن حياة الله ليست فيه ، وكل من هو مُهيأ للاستشهاد هو شريك مع المسيح.

[2]

اخيرا، احبائي: نحن اليوم كما في الامس مدعوون الى ان نشهد على عظائم الرب في حياتنا ،نشهد لله بانه أبانا وللمسيح بانه مخلصنا وللروح القدس مقدسنا .

نشكر الله على عطاياه نشكره على دم الشهداء الذي هو بذار الكنيسة.

الشهيد هو مَن جُرّب فوجدَ أمينا (عبرانيين 11: 17 ) على مثال المسيح “الشاهد الامين (رؤيا 1: 5). صلاتنا الدائمة ان نكون مستعدين لتأدية شهادة الدم، اذا ما دعانا الله للشهادة.

وايضا للشهادة البيضاء التي هي شهادة المحبة المضحية والبذل وحمل الصليب والصلاة والصوم والسلوك بلا عثرات .قال القديس يوحنا الفم الذهب :” احتمل المشقات كلها ببسالة لان هذا يحسب لك استشهادا.

على هذا الرجاء نحن اليوم نرفع صلواتنا ونقدم القرابين امام المذبح الالهي، لاجل المنتقل عنا حبيب كنيسة الصليب وعزيزنا الغالي ابوبسام  الى الاخدار السماوية.

ليكون شاهدا عن قرب بايمانه ومحبته واخلاصه ليسوع وكنيسته ،كما كان في حياته الارضية،حياة كلها شهادة البيضاء،شهادة خدمة ومحبة وتفاني واخلاص  في بناء هذه الكنيسة المقدسة ،كنيسة الصليب المحيي،حجرا وبشرا.

رحمات الله عليك ايها العم ابو بسام ،حقا شخصيا فقدت سندا  وعمودا من اعمدة هذه الكنيسة.من عليائك ومن قربك من عرش المسيح لا تنسانا في صلواتك من اجلنا ومن اجل كنيسة الصليب التي احببتها،اكثر من غيرك.لان بصلاتك ستبعد عنها الذئاب والشياطين.

فانت عزيز في عيني الرب,آمين

[3]