- السراج الأرثوذكسي - https://www.alsiraj.org/blog -

لماذا اعتمد الرب وحل عليه الروح القدس !!

[1]

لماذا اعتمد الرب وحل عليه الروح القدس !! هل يحتاج  للروح مع كونه واحد معه ؟

أن الرب في معموديته لم يأخذ الروح القدس كأنه غريب عنه، أو حل عليه مثلما حل على الأنبياء والقديسين، لأن الروح القدس في الابن ليس كمن يشترك فيه من الخارج بل هو فيه جوهرياً وبالطبيعة، فالروح القدس كما هو روح الآب، هو بعينه روح الابن ذاته !!!

فلماذا اعتمد الرب وحل عليه الروح القدس !!!؟

هذا بالطبع لا يخص ألوهيته كابن وحيد كائن مع أبيه والروح القدس، ثالوث قدوس لا ينفصل أو ينقسم أو يتجزأ قط، بل يخص إنسانيتنا، فهو اعتمد بجسم بشريته وغرس النعمة غير المغلوبة فينا نحن الإنسان، وبمعموديته مد الروح القدس جذوره في إنسانيتنا !!! لأنه قبل الروح القدس كواحد منا [ حسب تعبير القديس كيرلس الكبير ]

يقول القديس كيرلس الكبير – الإسكندري – عامود الدين
[
من اللائق أن نقول بأي طريقة أُعيد خلق الطبيعة الإنسانية إلى حالتها الأولى ؟
الإنسان الأول، ترابي من تراب الأرض، وكان في إمكانه الاختيار بين الخير والشرّ، لأن يملك الميل إلى الخير أو إلى الشرّ، ولكنه سقط بمكر وخدعة أثيمة، ومال إلى العصيان، فسقط إلى الأرض، الأم التي خرج منها، وساد عليه الفساد والموت، ونقل العقوبة إلى كل الجنس البشري. ونما الشرّ وكثر فينا وانحدر إدراكنا إلى الأسوأ، وسادت الخطية، وبالإجمال ظهر أن الطبيعة الإنسانية قد تعرَّت من الروح القدس الذي سكن فيها؟ ” لأن روح الحكمة يهرب من الخداع ” وكما هو مكتوب [ ولا يسكن في الجسد الخاضع للخطية ] (حكمة 5: ، 1: 4 س) .
ولأن آدم الأول لم يحتفظ بالنعمة التي أعطاها الله له، قرر الله الآب أن يُرسل لنا آدم الثاني من السماء إذ أرسل ابنه الوحيد الذي أخذ شكلنا، والذي هو بالطبيعة بلا تغيير أو اختلاف، والذي لم يعرف الخطية مطلقاً، حتى كما “بمعصية” الأول خضعنا للغضب الإلهي، هكذا بطاعة الثاني (رو5: 19) نهرب من اللعنة وكل شرورها تنتهي. ولكن حينما صار كلمة الله إنساناً، قَبِلَ الروح القدس من الآب كواحد منا ( ولم يقبله لنفسه كأقنوم في ذاته، لأنه هو الذي يُعطي الروح ). وإنما الذي لم يعرف خطية، عندما يقبل الروح كإنسان، فأنه يحفظ الروح لطبيعتنا، لكي تتأصل فينا النعمة التي كانت قد فارقتنا. لهذا السبب أعتقد أن المعمدان القديس أضاف قائلاً [ رأيت الروح نازلاً من السماء واستقر عليه ].

لقد فارقنا الروح بسبب الخطية، ولكن الذي لم يعرف خطية، صار كواحد منا لكي ما يتعود الروح القدس على السكن فينا، بدون سبب للمفارقة أو الانسحاب. لذلك فهو يقبل الروح القدس لأجلنا من خلال نفسه، ويُجدد الصلاح الأول لطبيعتنا. لأنه هكذا قيل إنه: [ لأجلنا افتقر ] (2كورنثوس 8: 9)، لأنه وهو الغني لأنه الله ولا ينقصه أي صلاح، صار إنساناً يحتاج إلى كل شيء، والذي يُقال له في موضع ما : [ وأي شيءٍ لَكَ لَم تأخذه ؟ ] (1كورنثوس 4: 7) .

وأيضاً إذ هو الحياة بالطبيعة، مات بالجسد لأجلنا، لكي يغلب الموت لأجلنا ويُقيم طبيعتنا كلها معه، (لأن الكل كان فيه بصيرورته إنساناً). وهكذا أيضاً، قَبِلَ الروح القدس لأجلنا، لكي ما يُقدس طبيعتنا كلها. لأنه لم يأتِ لكي ينفع نفسه، بل لكي يُصبح لنا جميعاً، الباب والبداية والطريق لكل الخيرات السمائية. ولو كان رفض أن يقبل (الروح) كإنسان، أو أن يتألم أيضاً كواحد مثلنا، فكيف يُمكن لأي إنسان أن يوضح أنه [ وضع نفسه ] (فيلبي 2″ 8)؟ أو ما الداعي لأن نحتفظ بصورة العبد عند الحديث عنه، إذا لم يكن شيء خاص بصورة العبد قد كُتب عنه.

وعلينا أن لا نُمزق التدبير الحكيم إلى أجزاء، لأن بولس يصرخ مندهشاً من التدبير قائلاً: [ لكي يُعرف الآن عند الرؤساء والسلاطين في السماوات بواسطة الكنيسة بحكمة الله المتنوعة، حسب قصد الدهور الذي صنعه في المسيح يسوع ربنا ] (أفسس 3: 10 – 11) .

وحقاً عظيم هو سرّ التجسد فهو الحكمة بالحق وهو سرّ إلهي. هكذا يجب أن نفهم المُخلص، نحن الذين اخترنا أن نعيش التقوى، ونبتهج بالتعليم الأرثوذكسية. لأننا لن ننحدر إلى عدم التعقل، حتى نفترض أن الروح القدس موجود في الابن بالمشاركة وليس موجوداً فيه بالحري جوهرياً. مثلما هو في الآب نفسه.

لأنه كما أن الروح القدس هو روح الآب، كذلك أيضاً هو روح الابن . كما هو مكتوب [ فلما أتوا إلى ميسيا، حاولوا أن يذهبوا إلى بثينية، فلم يدعهم روح يسوع ] (أعمال 16: 7) ]

[ من شرح إنجيل يوحنا للقديس كيرلس الكبير – المجلد الأول من الإصحاح 1 – 10؛ ترجمة الدكتور / نصحي عبد الشهيد وآخرون – طبعة 2009؛ وقد تُرجم عن اليونانية من – Patrologia Migne Greaca Vol. 73؛ وعن – Commentary on St. John Gospel by P.E. Puesy Oxford 1832؛ إصدار مؤسسة القديس أنطونيوس ، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية بالقاهرة، من ص 162 – 163 ]