- السراج الأرثوذكسي - https://www.alsiraj.org/blog -

خوف الموت يموت؟!

خوف الموت يموت؟!

[1]

لا يرتجف المؤمنون امام الموت بل يبتهجون لانهم يعرفون انهم عندما يغادرون هذه الحياة الفاسدة فانهم يذهبون الى اخرى افضل واكثر ضياء بشكل لا يقارن،ابدية لا نهاية لها .

يعرف المؤمن ان الموت هو طريق يقود الى أكاليل النصر. ذلك ان انحلال الجسد ليس انتفاء للجوهر بل استهلاكا للفناء وانفاقا للفساد. يعرف المؤمن ان الموت ليس ضياعا للجسد وانما اضمحلال للفساد. يرى المؤمن الموت كبوابة الى الابدية كعودة الى الاحضان الحنونة لله المحب البشر ..لكي نتغلب على الموت فانه من الضروري ان يقوي الله ايماننا … يساعد الايمان المسيحي الانسان ليقهر خوف الموت ،وفي الوقت ذاته يخفف ألم الانسان ويحوّله الى سلام وهدوء،اولا لا تمنع كنيستنا المقدسة ذرف الدموع من اجل الميت، انها لا تدين هذا الحزن .يقول القديس يوحنا الذهبي الفم : :” لا أمنع الدموع عن التساقط لاني لست حيوانا ولا كائنا صلبا وقاسيا. ليس ممكنا بالنسبة للانسان ان لا يحزن لموت محبوب.ثم بعد كل شيء يسوع نفسه اظهر هذا،وبكى على لعازر. انت ايضا تستطيع ان تفعل هذا ،اذرف الدموع ولكن بهدوء ابكِ باحتشام وبخوف الله .اذا كنت تستطيع البكاء بهذه الطريقة فانك تثبت انك لا تشك بالقيامة العامة انت تثبت بانك تحزن كشخص ولكنك لست ميتا بالانفصال عن الشخص المحبوب ابكِ كما لو انك تقول وداعا لشخص يسافرالى بلد بعيد أقول هذه الاشياء لاشرّع ولكن لأنزل الى مستوى ضعفنا الانساني ” .

ان الحداد الذي يفوق الحدّ وبخاصة وشدّ الشعر والالحان الجنائزية الحزينة … الخ بصرامة الذهبي الفم وهو يعتبرها نموذجا عن الهوس غير العقلاني والنفس الضعيفة ويعتبرها غير لائقة وعرضا متفاخرا ومجدا فارغا وتكلفا نسائيا للحرفة .

يسأل كيف يكون ممكنا أن لا أتألم ما دمت انسانا . يجيب :أنا اقول لك كيف يمكنك كإنسان شرّف بالعقلانية والمحاكمة المنطقية كإنسان سمع عن رجاء القيامة المستقبلية أن تتألم ؟” … اذا كان رجال العهد القديم قد واجهوا موت احبائهم بشجاعة في ذاك الزمان فكم يجب علينا ان نظهر نحن في ظروف مشابهة شجاعة اعظم وروحا انبل نحن الذين نعيش بعد قيامة المسيح الملّخص؟ …ألا تسمع كاتب المزامير الذي يقول :” ارجعي يا نفسي الى راحتك لان الرب قد احسن اليك ” ( مزمور 114: 7) . من خلال داود يدعو الله الموت بركة وانت تحزن ؟ولكن ماذا كنت ستفعل لو لم تكن قريبا للشخص الذي مات وانما عدو له ؟ . ان المراثي المبالغ فيها والندب هي اهانة لعمل المسيح الاله- الانسان الذي غلب الموت. بما ان الموت قد اصبح حالة نوم بعد القيامة فلماذا تحزن بلا طائل يسأل الذهبي الفم لماذا تبكي وتحزن ؟ علينا نحن المسيحيين ان نهزأ من الوثنيين الذي يتصرفون هكذا … فان الحداد الزائد والندب والالحان الجنائزية تبين ان الشخص المؤمن مشابه لغير المؤمن .ان مسيحيا كهذا لا يتبع الرب المحب البشر بل الشرير واتباعه الذين يضلّون الانسان ويقتلونه.

” يجب ان تتعزّي لان ما يحدث لنا ليس من دون معرفة العناية الالهية ولا هو خارج التدبير الحكيم النافع لها. وبالتالي ما حدث قد حدث بارادة الذي خلقنا من يستطيع ان يقف ضد ارادة الله.فلنقبل ما حدث.ولئن كنا ساخطين فاننا لا نستطيع ان نصحح ما حدث بل بالحري ندمّر انفسنا (دعنا لا ندين حكم الله الصالح).اننا نعلم قليلا جدا ونتجاسر لان ندين ارادته التي لا تسبر ولا يمكن التعبير عنها او ان ندين حكمه.نمتلك بهذا الموت فرصة استقبال نصيب الشهداء من خلال الصبر. اواقفك ان المصاب جلل ولكن مكافأة الله عظيمة ايضا لأولئك الذين يظهرون صبرا في ظروف مشابهة …” ( القديس باسيليوس الكبير في رسالة تعزية الى زوجة نيكتاريوس التي فقدت ابنها )

ان الموت فرصة لاظهار الشجاعة المسيحية الآخر. يعلّم الآباء المتوشحون بالله ان من ينوح ويندب فوق الحد على موت شخص محبوب،يحارب نفسه لانه بالالحان الحزينة والنواح يثير الفوضى والاضطراب في نفسه بينما يكون الذي مات “قد ذهب الى ميناء هادئ ” .يقول الذهبي الفم بدلا من ان تكون ساخطا ومتذمرا اشكر الرب المحب البشر الذي يستقبل محبوبك وهكذا فانك لا تعيب محبوبك بالاحرى تجمله وترافقه بعطايا جنائزية هامة. اذ تشكّيت فانك تهين الميت وتغضب السيد الاله الذي ناداه الى جواره وتؤذي ايضا نفسك … اذا قبلت الحدث بجلد مع رفع الشكر لله فانك تجمّل الميت وتمجد الله الذي استقبله وتفيد نفسك ( الذهبي الفم )

يقول القديس يوحنا الذهبي الفم :” اذا دعا الملك احدنا الى قصره فهل على الاخرين منا ان نبكي وننوح ؟بالتاكيد لا ولكن شيئا ما مشابها يحدث حين يموت احد احبائنا اذ تاتي الملائكة مرسلة من ملك السماوات لترافق واحدا من شركاء خدامهم الى هناك، وانت تذرف الدموع.لا يستحق الحدث دموعا ابدا. تترك النفس مسكنها الارضي وتنطلق مسرعة الى ربها ومعلّمها وانت تحزن؟ ولكننا في تلك الحالة يجب ان نحزن ايضا عند ولادة ولد .لان الولد يولد من بطن امه الى نور آخر،يتحرر من سجن.بطريقة مشابهة،عندما تهجر نفس التقي الجسد بضمير طاهر طيب فهو يشع بالفرح تصوّر ما هي النفس ،وما الدهشة التي تختبرها عند وقت الخروج من العالم وما هي المعجزة التي تواجهها وما هي الغبطة التي لا يعبر عنها التي تشعر بها” .

وبالتالي فالموت بالنسبة للاباء هو معبرنا الى حياة اخرة اكثر اشراقا ولهذا السبب علينا ان نواجه هذا الحدث بتفاؤل .الموت نوم ولكنه ايضا استيقاظ على الغبطة والملكوت الابدي حيث تملك محبة الله والتي ينيرها نوره الذي لا يغرب .

اذا كان ثمة من يجب ان ينوح لموت الانسان فانه ينبغي ان ينوح الشيطان فليبكي ذاك وينوح لاننا تحررنا الان من مصائده ونحن ذاهبون الى خيرات اعظم ابدية ودائمة.

[2]