اسبيرو جبّور
العذراء في اللاهوت الأرثوذكسي
2007
الاعتراف بالجميل
بفضل
العذراء مريم والدة الإله
والدكتور روجيه أميل صايغ
نجا نظري من العمى الباكر،
فتكرّست للكتابة ولو بمشقّة كبيرة أحياناً.
غمر الله روجيه وذويه أجمعين بكل مجده الأسنى.
وداع عيد الصليب (21/9/2007)
اسبيرو
المقدمة
كانت جدتي لأبي، مريم، وزوجُها سلوم، يحتفيان بعيد رقاد العذراء في 15 آب ببهجةٍ وسخاء. ورث عنهما والداي هذا الابتهاج، فرضعتُ عشق العذراء مع الحليب، ونشأتُ أذكر اسم العذراء لسبب ولغير سبب.
النظريات التي تقول إنَّ ترْكَ الحرية للولد ليختار دينه متى كبُر، هي نظريات سخيفة جداً. إنها تجهل أعمق معاني التربية الإنسانية. الأمّ والجدَّة تكوِّنان بنية الطفل الأخلاقية والدينية. في أميركا السلاح بيد الأفراد. اللصوص في الشوارع. السكّيرون في الشوارع. ذكرت إذاعة مونتي كارلو أنه يقع في الولايات المتحدة اعتداءٌ على أنثى كل ست ثوانٍ. انهيار الحياة العائلية وتفشّي الطلاق مأساةٌ من مآسي التربية المنزلية. لو كان الإنسان صالحاً بالطبيعة لما كانت حاجةٌ إلى القوانين والأنظمة والمحاكم والشرطة والدرك والجيش والأجهزة السرّية. ومع وجودها وقوَّتها لم يَصلح الناس. وبقي الدِّين العاملَ الأساسي في بنية البشر "الأوادم".
قال المحلل النفساني الكبير أرنست جونس: "إن الخطوط الكبرى للحياة العاطفية عند الإنسان تتأسس قبل الرابعة من العمر". في هذه السنوات الأربع تنشأ البنية العاطفية الأساسية لدى الإنسان. والإنسان إنسانٌ بعواطفه أولاً ثم بعقله ثانوياً. العلم بدون الأخلاق يدمِّر الناس . الأم هي المدرسة الأخلاقية الدينية الأولى. ختمُها خالدٌ إلى حدٍ بعيد في حياة الإنسان. على هذه البنية تقوم غالباً مناقبُ الإنسان.
مطران اللاذقية، المرحوم تريفون غريِّب، تمرّس بالترتيل البيزنطي الشائق الرائع من مدرسة خالكي اللاهوتية الشهيرة في القسطنطينية. تفوّق على سواه بإجادة ترنيم قطع العذراء التالية: "إن البرايا بأسرها"، "إن جبرائيل إذ اعتراه الذهول"، "اليوم العذراء تأتي إلى المغارة"، "اليوم البتول تلِد الفائق الجوهر"، "إنني أشاهد سراً عجيباً، المغارة سماءً"،… وسوى ذلك من بدائع الترانيم. وهكذا رَبيتُ مولعاً بالترنيم البيزنطي، وبصوت المطران تريفون، الذي ما زال يرنُّ في أذني ولو بعد خمسين عاماً من رقاده. كان صوته خلاباً.
صوم العذراء في اللاذقية صومٌ عام مفروض حتى على الأطفال. الحماس فيها للعذراء رائع. في القرن التاسع عشر طلبت سيداتٌ فيها إلى شاعرها الياس صالح أن ينظم لهنّ أناشيد روحية تحلّ في الصوم الكبير محلَّ الأغاني المألوفة.
إنْ أنشدَ الأرثوذكسيُ فجأة ولا شعورياً قطعةً ما، أنشد غالباً ترنيمة للعذراء. في العام 1975 كنتُ وصحباً في دير مار الياس محيطين، في ضهور الشوير، بالمرنم ميشال عبد النور. فطلب إليه أحدُنا ترنيمةً، فاختار ترنيمة العذراء في غروب يوم الأربعاء في منتصف الصوم الكبير، التي أجاد المرحوم متري المرّ تلحينها. الأرثوذكس يعشقون العذراء عشقاً صامتاً لا هائجاً. لا يخلو قلبُ أرثوذكسيٍ من الشغف بالعذراء. وإذا كنا في المشرق مصابين بالتهاون، ففي أوروبا الشغف بالعذراء عامٌ عند الأرثوذكس. ترانيمنا مترجمة عن اليونانية. المرنمون اليونانيون يتفنّنون في التألق والتأنق في اداء ترانيم العذراء. وإن كان لدينا الآن مَن يجيدون، إلا أن أداء الأصل اليوناني يبقى أوفر نجاحاً.
في التحليل النفسي أمرٌ هام وهو أن النساء موهوبات للتقليد. ونعرف أن البنات أسلس من الصبيان في عملية التوجيه الأخلاقي والدينيّ. ونعرف أيضاً أن البنت تتأثر جداً بمناقبية أمّها. في دراسة شملت الناس في الغرب وفي اليابان، قرر الخبراء أن 80٪ من النساء يربّين بناتهنَّ ليكنَّ صورة عنهن. إذاً الأمُّ حجر الأساس في تربية الأبناء وبخاصة منهم البنات. وإن حسُنتْ تربيةُ البنت روحياً وأخلاقياً صمدتْ أمام التجارب والمحن بينما لا يصمد الأولاد مثلهنَّ. مَن كالعذراء نموذجٌ مطلق مِن المناقب المثالية كصورةٍ للبنات لينشأن مثالياتٍ وركائزَ أخلاقية للمجتمع وللوطن؟ فإن شاءت أمّةٌ النهوضَ أخلاقياً بأبنائها، كان عليها أن تهتمَّ أولاً بالأمهات. الأمهات الجيدات هنَّ أمهات المجتمعِ والأمةِ المثاليات، وإن كانت المثاليةُ الكاملة، إجتماعياً، مستحيلة. فسقوط الإنسان قنبلة موقوتة. لا ندري متى تنفجر هذه القنبلة وينقلب الرجل الجيد والمرأة الجيدة إلى العكس. ولكن نحن مستمرّون في العناية بالرجال والنساء لعلَّ الله يُخرج من الحجارة أولاداً ليسوع. حالةُ نظري لم تسمح بكتابة حياةٍ علمية دقيقة ومفصَّلة لسيدتنا والدة الإله، لذلك أقصرُ الأمرَ على وصفها في اللاهوت الأرثوذكسي المجيد.
رومانوس المرنِّم وثوذوروس الستوديتي وأخوه وسواهم أغنوا الأرثوذكسية بأناشيد رائعة للعذراء مريم. المرنِّمون الجيّدون مثل تريفون غريِّب ومتري المرّ وأندراوس معيقل وأثناسيوس عطا الله قديماً، والمطران الياس قربان حالياً (طرابلس)، يُسكِرون القلوب بدون خمر. لا طرب في ترتيلهم بل ارتقاءات روحية والقلب يمتلئ.
أسألُ الله أن يُفعم قلوب القرّاء بحبّ سيدتنا العذراء مريم ليجدوا نعمةً لدى ابنها الحبيب يسوع المسيح.
يا بنات الأرثوذكس ارتمين في حضن أمِّكنَّ الحنون العذراء مريم.
اسبيرو جبور
7 تموز 2009
عيد القديسة كرياكي
علم اللاهوت والعذراء
منذ نيّف وثلاثين سنة أخذ العمق اللاهوتي يقرع عندنا بعض العقول وإنما بعسر شديد بسبب تمادي زمان الانحطاط. اليوم أحرزنا بعض التقدم الملحوظ، وبعض الشوق إلى العمق الشخصي لا إلى المعرفة المجردة فقط. اللاهوت الأرثوذكسي صبغة شخصية تصبغ كل كيان الإنسان لا مسحوق نطلي به الوجه الأسود ليبدو أبيض. اللاهوتي هو الناطق بالإلهيات، هو مستودع الحقيقة العاجز عن مقاومة الحق (2 كور 8:13). هذا يعني أنه متواضع وممتلئ من عشق الحقيقة بدون مكابرة ولا انتفاخ. بعبارة أخرى اللاهوت يحوّل اللاهوتي تحويلاً جذرياً. رؤساء الهرطقات علماء ولكن علمهم كاذب. رجل الحقيقة يستسلم فور علمه بها. الهرطوقي يكابر ويعاند. من لا يعترف بأن العذراء هي أم عمانوئيل، أم ابن الله، أم ابن العلي هو مكابر نسطوري؛ وهكذا دواليك كل هرطوقي آخر. الأرثوذكسية تكرم العذراء باعتدال، بدون غلوّ. يسوع هو مركز عبادتها لا العذراء. لولا أمومتها ليسوع لبقيت فتاة ناصرية مغمورة مجهولة. أما الآن فهي جزء لا يتجزأ من حياة بيوتنا وتراثنا. هي أمنا الحنون الدائمة في الأرض وفي السماء.
الحبل بالعذراء
لا شيء في العهد الجديد عن العذراء قبل البشارة. ولكن كتب الأخبار تذكر أن أباها يواكيم وأمها حنة طعنا في السنّ، ورغم ذلك أنعم الله عليهما بمريم. وفي أورشليم القدس يُشار إلى بيتهما. وأقامت فرنسا في المكان للروم الكاثوليك ديرَ القديسة حنة تجاه هيكل سليمان شمالاً.
إذاً: الأمر شبيه بحبل أليصابات بيوحنا المعمدان. ما من نصّ، لا في العهد الجديد ولا في الأخبار ولا في الآباء، على حلول الروح القدس على حنة ليطهّرها كما طهّر العذراء حين حبلها بالرب يسوع. وبناءً عليه يكون الحبل طبيعياً. كيف؟ اللاهوت الأرثوذكسي يعلّم أن آدم وحواء خطئا فماتا روحياً، فتسبب الموتُ الروحي بالموت الجسدي وعودةِ الجسد إلى أصله الترابي. فاندسَّ الفساد في الطبيعة البشرية[1]. فورث الناس عن آدم وحواء الطبيعة الساقطة. وكانا في الجنة بتولين. بعد السقوط تعارفا وولدا الأولاد. بولس الرسول كرّم الزواج: والمضجع غير دنس (عب 4:13). وقال أيضاً إن الأولاد غير نجسين (1 كور 14:7). مكسيموس المعترف قال إن الزواج طاهر. إذاً: ليس في التقليد الأرثوذكسي مفهوم “الحبل الدنس”. وتفسيرنا لنصّ رومية 12:5 يعتمد النص اليوناني الأصلي. لسنا مسؤولين عن خطيئة آدم الشخصية. الترجمة اللاتينية مخطئة. ترجمة Bible de Jerusalem الفرنسية صحَّحته. أخذتْ بالمفهوم الأرثوذكسي. والB.J. هي سيدة الترجمات بعد الترجمة الروسية بقلم عميد معهد اللاهوت الروسي في باريس (سان سرج).
في النص اللاتيني: "من أجل ذلك كما أنها بإنسان واحد دخلت الخطيئة الى العالم وبالخطيئة الموت وهكذا اجتاز الموت الى جميع الناس بالذي جميعهم خطئوا فيه".
أما في الأصل اليوناني: " من أجل ذلك كما أنها بإنسان واحد دخلت الخطيئة الى العالم وبالخطيئة الموت وهكذا اجتاز الموت الى جميع الناس إذ جميعهم خطئوا".
من المقابلة نتبين أن النص اللاتيني يجعلنا شركاء في خطيئة آدم الشخصية؛ بينما النص اليوناني في ترجمتنا العربية يعني اننا غير مسؤولين عن خطيئة آدم الشخصية. القديس أوغوسطين كان يجهل اليونانية فوقع في خطأ تفسيري تناقله الغرب. من هنا جاء الكلام الغربي ان البشر يحملون دنساً أصلياً لم تحمله العذراء.
ليس في آباء الكنيسة أي نص يتعلق بالحبل بلا دنس. وقد أنكره كبار اللاهوتيين الغربيين أي ألبير الكبير وتلميذه توما الأكويني وبرنار ورهبان CLUNY.
ُ عن والديها طبيعتنا الساقطة. وإنما عاشت عيشة قداسة في جهاد روحي مرير لتحقيق الكمال الشخصي. صنعت من نفسها إنساناً كاملاً في البرّ والصلاح والقداسة. تراثنا الأرثوذكسي ركّز على حرية الإرادة البشرية. الآباء الكبادوكيون، فم الذهب، مكسيموس المعترف، المجمع المسكوني السادس، الدمشقي وسواهم… لا يقبلون القول بالحبل بالعذراء كالحبل بيسوع، فتكون مريم مُسيّرة لا مخيّرة، خاضعة للقدر لا لعالم الحرية الشخصانية. كلفينوس البروتستانتي قال بسَبْق التحديد، واعتبر أتباعُه مريمَ أداةً. كانوا يقولون: هي جرّة امتلأت وفرغت. المجمع السادس المسكوني علَّمنا أن في المسيح مشيئتين لا مشيئة واحدة. هما متحدتان لا متنافرتان. وعلمنا بولس الرسول أن نمتلئ من مشيئة الله. هذا يتم باختيارنا، فنصلّي: “لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض”.
نعيّد للحبَل بمريم العذراء في 9 كانون الأول.
ميلاد العذراء
وُلِدت العذراء كما يولد سائر الناس. جاء في الأخبار أنها عاشت في الهيكل. فم الذهب، في شرح إنجيل البشير متى، علَّمنا أن الإنجيل لا يهتم إلا بشخص يسوع أو بما له علاقة بيسوع. إذاً: ليس سيرةً لحنة ومريم والمعمدان وبطرس و…
من بشارة الملاك لها سنرى قدرها العالي جداً. نعيد لميلادها في 8 أيلول.
البشـارة
كذلك ليس في العهد الجديد ذِكرٌ لأسباب انتقالها من القدس إلى الناصرة في شمال فلسطين. إنما أتاها الملاك في الناصرة مبشراً بالحبل بيسوع (راجع لوقا 26:1-28). مقارنة نص لوقا بنص متى[1] تؤدي إلى المعلومات التالية:
1- مريم ويوسف النجار من نسل داود المقيمان في الناصرة.
2- مريم مخطوبة ليوسف الذي يسمّى أحياناً زوجها.
3- لا يقيمان بعد معاً.
4- استغربت مريم التبشير بالحبل وهي غير عازمة على زواج فيه علاقات جنسية.
5- بشّرها الملاك بأن حبلها سيكون بفعل الروح القدس.
6- تمّ الحبل فور قبولها العرض الإلهي. أي اتحد الإله والإنسان في بطنها فور ذلك. ولذلك فعيد التجسد الإلهي هو يوم عيد البشارة “لا يوم عيد الميلاد كما كتب البعض عندنا[2].
في إنجيل البشير لوقا جاء أن الروح القدس حلّ عليها قبل الحبل. الآباء القديسون قالوا إنه طهّرها وقدّسها[3]. هذا التطهير يعني أن الروح القدس جعل مريم العذراء صالحة لأن تحبل وتلد يسوع بدون أن يحمل يسوع أي ميل إلى الخطيئة. ففي الكتاب المقدس نصوص عديدة عن طهارة جسد يسوع. إنما صار مثلنا في كل شيء ما عدا الخطيئة (عب 15:4). هذا يعني أنه أخذ طبيعتنا الساقطة بدون الميل إلى الخطيئة. ولذلك يكون ربنا يسوع قد أخذ باختياره الطوعي طبيعة بشرية قابلة للجوع والعطش والآلام والموت لكي ينقذ البشر من آثار خطيئة آدم. بعبارة أوضح: أخذ عواقب الخطيئة ولم يأخذ الخطيئة. إنما جسده في القبر لم يكن قابلاً للبلى (المزمور 16) لأنه متَّحد باللاهوت. لذلك أقام لاهوتُه جسدَه في اليوم الثالث.
العذراء مريم التي أعطت يسوع هذه الطبيعة البشرية، صارت طبيعتُها، بسبب التطهير المذكور، مشابهةً لطبيعة ابنها البشرية لأن معدنه الطاهر من معدنها الطاهر. ليس لدينا في الكتاب المقدس وفي اللاهوت ما يدل أن تطهير العذراء وتقديسها يوم البشارة قد انتهى يوم ولادة الرب يسوع. هي بذلك صنعٌ الهي جديد وحواء جديدة ألمعُ من حواء العتيقة بما لا يقاس. حواء سقطت باكراً قبل أن تجاهد روحياً. العذراء جاهدت روحياً وبلغت درجة عليا من الكمال حتى استحقت البشارة بالحبل بربنا يسوع المسيح. فليست مريم بعد الولادة غير مريم قبل الولادة إنما خرج يسوع من أحشائها. هذا الخروج جعل يسوع بين يديها بدلاً من كونه سابقاًَ في بطنها. ما نالته من الروح القدس بقي خالداً. حواء لم تمتلئ من الروح القدس ولم تحوِ يسوع في أحشائها.
هل بالأمر السهل أن تحبل فتاة بالرب؟ هل يحتمل الكونُ برمته أن يحل فيه ابنُ الله كما حلَّ في أحشاء العذراء؟ طبعاً أحشاؤها لا تسع الإله لكن الإنسان المتولد في أحشائها متحد بالطبيعة الإلهية، وهو جزء في أقنوم الرب يسوع المسيح. نار اللاهوت محرقة، ولكنها لم تحرق أحشاء البتول. كيف مسَّت نارُ اللاهوت جسدها ولم تحترق؟ إنها عملية إلهية مدهشة تضيع العقولُ في تأمل مجدها. الله نورٌ ألمع من الشمس. في الفصل 26 من أعمال الرسل أبرق نورٌ حول بولس وصحبه ألمع من الشمس في رائعة النهار. النور الذي حلّ في حشا البتول هو أقوى من هذا النور الذي أتى بولس وصحبه من حولهم لا من أجوافهم.
كيف عاشت العذراء قبل الحبَل؟ لا شيء في العهد الجديد عن ذلك. إنما بشارة الملاك جبرائيل لها دليل أعظم على نقاوة معدنها وعلى تواضعها الجمّ. استغربت عبارات الملاك الذي حيّاها بعبارات خاصة جداً: “افرحي أيتها المنعم عليها من قِبَل الله، الرب معك…” جرى حوار بينهما لتعرف العذراء حقيقة الأمر. بشّرها الملاك بالحبَل بابن الله، بابن العلي، القدوس. سألت الملاكَ: “كيف سيكون[4] هذا وأنا لا أعرف رجلاً؟” أجابها: “الروح القدس يحلّ عليك وقوة العلي تظلّلك…”. مريم مخطوبة ليوسف. والمخطوبة ستكون يوماً أماً. استغراب مريم يعني أنها نذرت البتولية حتماً. قالت: “هاءنذا أمة للرب، فليكن لي بحسب قولك”. في تلك اللحظة عقد الروح القدس في أحشاء مريم البتول طبيعةً بشرية من روح وجسد ضمّها الربُّ يسوع إلى أقنومه الإلهي. يسوع في يوم البشارة أقنومٌ إلهي من الثالوث القدوس، ضمّ الطبيعة الإلهية والطبيعة البشرية دون أن تستحيل الطبيعةُ الإلهية إلى طبيعة بشرية أو البشريةُ إلى الطبيعة الإلهية. اتحدتا بدون امتزاج أو اختلاط أو تشويش أو… إنما حل مجد الله رمزياً في خيمة الاجتماع وهيكل سليمان. وهما رمز لمريم العذراء ولطبيعة يسوع البشرية. مجد الله الحقيقي حلّ في طبيعة يسوع البشرية فامتلأت فعلاً، لا رمزاً، من المجد الإلهي. غمرتها القوى الإلهية. سكن فيها الروح القدس (كيرللس الإسكندري)[5].
في لحظة حبل العذراء بربنا يسوع كوَّن الروحُ القدس في أحشائها طبيعة بشرية من روح عاقلة وجسد. خلق الروح. وخلق من أحشاء مريم الجسد. وفي اللحظة نفسها[6] ضمّ يسوع هذه الطبيعة البشرية إلى أقنومه الإلهي فصارت جزءاً منه. نقول لاهوتياً: إن يسوع صار أقنوماً لطبيعتَيه. كان أقنوماً لطبيعته الإلهية. يوم البشارة صار أيضاً أقنوماً لطبيعته البشرية. نقول: قنّمها فصارت مقنَّمة: صارت موجودة في أقنوم الابن يسوع.
مريم العذراء لم تتحد أقنومياً بابنها. وكذلك الكنيسة والقربان والمؤمنون. فقط طبيعة يسوع البشرية مقنَّمة. ألفُتُ الأنظار إلى هذه النقطة التي كَبَتْ بها أقلام عظام مثل لوسكي (ص 163 من الأصل الفرنسي) ويوستينوس بوبوفيتش، وسواهما لدينا. (راجع بالاماس، الفصول 150؛ 75 ومراجع مايندورف في ص 254). ذهب لوسكي إلى أن الكنيسة مقنَّمة. أي أن أقنوم الابن قنَّمها في أقنومه الإلهي، أي أنها جزء في أقنوم يسوع. وربما غالباً أخذ عنه بوبوفيتش هذا الخطأ.
بالاستناد إلى هذا الإيمان تقول الكنيسة: حين لحظة حبَلِ كل امرأة يخلق الله الشخصَ البشري حاوياً الروح والجسد. الجسد من الأبوين. الشخص والروح من الله. إذاً: كلما حبلت امرأة أجرى الله في أحشائها معجزة عظيمة. الأبوان يشاركان الله في خلقنا. يا للشرف العظيم! المرأة التقية تسجد للمعجزة مُسبِّحة الله ومقتدية بمريم العذراء: “تعظّم نفسي الربّ…” الطفل شخص على صورة الله ومثاله منذ لحظة الحبَل. أما العذراء مريم فصارت نموذجاً للعذارى والأمهات. أرستْ لنا قاعدةَ التبتّل لله، فاقتدت بها الصبايا منذ أيام بولس الرسول (1 كور 7). وصارت نموذجاً للمتزوجات في التعفّف والطهارة بعد أن كانت الإباحية سنّة الناس قبل المسيح.
بسبب اتحاد الطبيعتين في أقنوم واحد نقول: آلام الرب، قيامة الرب، صعود الرب… الأمر كذلك بالنسبة للعذراء: هي أم الله. الرافضون لهذه العقيدة:
1- النساطرة: دانهم المجمع الثالث (431).
2- نساطرة الغرب المعاصرون: مذاهب يتعذّر إحصاؤها تتفتت باستمرار بلا وحدة ولا أسرار. إذاً: معموديتها معمودية الماء. ليست أبداً كنيسة واحدة أسسها الرب يوم العنصرة على الرسل (أفسس).
أما العذراء، فصارت يوم البشارة أُمّاً لله. في الكتاب المقدس هي:
1- أمُّ يسوع مخلصِ شعبه (متى 21:1). يسوع في العبرية اختصارُ “يهوشاع” أي “يهوه المخلص”. وفي الأنبياء يهوه هو فادي شعبه ومخلصه[7]. فالعذراء هي أم يهوه الفادي.
2- الملاك سمّى ابنها “ابن الله” و“ابن العلي”. نحن نؤمن أن يسوع ابنَ الله هو إلهٌ مساوٍ للآب في الجوهر. فهي أمُّ ابن الله، أم الله.
3- أليصابات دعتها “أم ربي”. والرب في الكتاب المقدس هو يهوه في العهد القديم، والآب والابن والروح القدس في العهد الجديد. مريم، أمُّ الرب يسوع، هي أمُّ الله والابن.
4- هي العذراء أمُّ عمانوئيل (متى 1، 23). وعمانوئيل هو الإله المتجسد. والعذراء هنا مُعرّفة بأل. أي أن مريم ليست عذراء بل العذراء الدائمة البتولية[8].
5- بولس الرسول قال إن الله أرسل ابنه مولوداً من امرأة (غلاطية 4:4-6). ابن الله مولود من مريم، فمريم هي أمُّ ابن الله، أمُّ الله.
6- في يوحنا (2) وأعمال الرسل مريم هي أم يسوع. ويسوع هو يهوه المخلِّص. هي أم يسوع المخلِّص.
7- وبما أنها أمُّ يسوع فهي غير مريم أمّ أخوة يسوع يعقوب ويوسف وسمعان ويهوذا. الأناجيل ذكرت مريم الأخرى أُماً ليعقوب ويوسي وسمعان ويهوذا. أما مريم العذراء فهي أمُّ يسوع لا أمّ يعقوب ويوسي. من مقارنة الاناجيل الأربعة يُستَنتَج أن مريم أم يعقوب هي زوجة كلاوبا.
هجزبوس الفلسطيني المولود في العام 115 يقول ان كلاوبا هو أخو يوسف.
فالطعن في بتولية العذراء سخيف إذاً. كيف نسمي العذراء أم الله وهي ولدت الجسد في زمن، بينما يسوع الإله وَلَده أقنوم الآب منذ الأزل؟ وحدة أقنوم يسوع لا تسمح بشقِّ شخصه. فالآب هو أبٌ لطبيعة يسوع البشرية. وبالمقابل العذراء هي أم لله بسبب وحدة الأقنوم. الأناجيل، وبخاصة إنجيل يوحنا، مترعةٌ من عبارات ربنا يسوع التي يدعو فيها الآب السماوي أباه، بينما فمه البشري هو الذي يتكلم. بولس الرسول قال: “لو علموا لَما صلبوا ربَّ المجد” (كورنثوس). هل وقع الصلب على ألوهة يسوع؟ لا. أما نقول: "آلام الرب"، "قيامة الرب"، "ميلاد ربنا يسوع"…؟ أما نقول “إخوة الرب”؟ نقول: "أكل الرب يسوع وشرب وجاع، وبكى، وتألم"… وقال إنه ابن الله، وإنه موجود قبل ابراهيم وإنه يهوه (يوحنا 24:8 و28)[9] ونقول إنه أقام لعازر. طبعاً لاهوته أقام لعازر. استنفاد الموضوع يؤلف كتاباً. كل ذلك بسبب وحدة أقنوم الابن الرب يسوع المسيح إلهنا العظيم.
في إنجيل لوقا مريمُ أمُّ ابن الله، أم ابن العلي. الآب أبٌ هنا لابنها الإله–الإنسان لأن يسوع شخصٌ (أقنومٌ واحد). بالمقابل العذراء هي أم ليسوع الواحد. نؤكّد: لم تلد اللاهوت. لم تمتزج الطبيعتان. المسألة سرّ إلهي كشفه الله لنا ولم نخترعه. شهد له العهد القديم وأيَّده كتاب العهد الجديد. وهما كتابان صحيحان تاريخياً لا مطعن جدّي فيهما. تحميهما الكنيسة بدقة من البدء بلا تحريف. المجامع المسكونية أعلنت مريم أماً لله بناءاً على نصوص الكتاب الإلهي وتقليدِ الكنيسة الدائم.
لا نقسم يسوع المسيح إلى اثنين كما فعل النساطرة. ولا نمزج الطبيعتين كما فعل أوطيخا. ولا نقول بأقنومين أبداً لأن الشخصين (أي الأقنومين) لا يتَّحدان إلا أدبياً (كيرللس الإسكندري في مجموعة الشرع الكنسي). بينما الطبيعتان في يسوع متحدتان أقنومياً في أقنوم الابن. يسوع أخذ طبيعة بشرية لا أقنوماً بشرياً.
علينا أن نوضح لفظة “أدبياً”. أي شخصين من البشر لا يتحدان إلا بالمودة والمحبة والصداقة. يبقى كلٌ منهما مستقلاً في وجوده عن الشخص الآخر. أما اتحاد الروح والجسد في شخصٍ، أي انسانٍ، فهو اتحاد أقنومي لأن الإنسان أقنومٌ على صورة الأقنوم الإلهي. كذلك الطبيعتان في يسوع متحدتان أقنومياً. أي انَّ أقنوم يسوع الإلهي يضمهما كيانياً ووجودياً. وجودياً وكيانياً الشخصان البشريان مستقلان أحدهما عن الآخر. في شخص يسوع ليست الطبيعة البشرية مستقلة عن الطبيعة الإلهية هما متحدتان إلى الأبد في شخص يسوع الواحد. المسألة إيمانية لا قضية تخضع لتحليل العقل البشري القاصر المحدود.
يوحنا الدمشقي وبالاماس قالا إن الألوهة تجسدت في أقنوم الابن. أي إن الآب والروح القدس لم يتجسدا أبداً أبداً[10]. كيف هذا؟ ديانتنا قائمة على وحي إلهي لا على تفلسف عقلي. نحن آمنَّا بالبشارة الرسولية كوحي إلهي فائق الإدراك. الروح القدس نقش الإيمان في قلوبنا.
والعذراء مريم لم تتحد أقنومياً بابنها. ونقول مع بولس الرسول إن الكنيسة هي جسد المسيح، وإن المعتمدين أصولاً هم أعضاء جسده. ولكن لا الكنيسة ولا المعتمدون ولا القربان اتحدوا أقنومياً بيسوع. الذي اتحد به أقنومياً هو الطبيعة التي أخذها من العذراء[11]. مريم والكنيسة والمعتمدون يتحدون به بالنعمة. وأخطأ الذين قالوا إن العذراء اتحدت به أقنومياً. لوسكي قال في الصفحة 163 و… من الأصل الفرنسي إن الكنيسة طبيعةٌ مقنّمة. قال يوستينوس بوبوفتش بذلك. طبعاً الدمشقي هو الحجّة. الطبيعة البشرية في أقنوم يسوع وحدها مقنّمة أي إن أقنوم يسوع الإلهي صار أقنوماً لها. إذاً قنّمها. صار أقنوماً واحداً لطبيعتيه. ولذلك هو متحد بهما إلى أبد الآبدين بلا انفصال. ففي تراتيل السبت العظيم والقيامة يسوع متحد بلاهوته، وبجسده في القبر وبروحه التي ذهبت تبشر أهل الجحيم وهو مع اللص في الفردوس، ومع الآب والروح القدس على العرش السماوي. لو انفصل لاهوتُه عن ناسوته على الصليب وفي القبر لما تمّ خلاصنا. موتُ إنسانٍ عادي لا يخلِّصني. في مواضع عديدة جاء أن الآب أسلم ابنه إلى الموت… دم ابنه… ربي، ارحم عالمك! النور الإلهي ساكن في جسد يسوع منذ يوم البشارة. أخفاه عن البشر بسبب ضعفهم. إنما أظهره على الجبل للرسل المختارين بطرس ويعقوب ويوحنا بقدر ما استطاعوا.
بقي يسوع في بطن العذراء تسعة أشهر. إذاً: حبَلٌ طبيعيٌ تام لا عبور مناطق. زارت نسيبتها أليصابات، فأعلنت ابتهاجها بالله يسوع ابنها مخلصها.
مريم تعرف أنها تحمل في بطنها ربها وإلهها وفاديها ومخلّصها. ويوسف علم ذلك من الملاك، ثم أخذ مريم إلى بيته. كيف كان شعورهما يلتهب سجوداً وعبادة وشكراً؟ اضطرم قلبا كليوبا ورفيقه إذ كان يسوع يحدثهما وقد أمسكت أعينهما عن معرفته. سكت الكتاب عن مريم ويوسف لأن الإنجيل بعيد جداً عن عقلية الطبل والزمر. إنما سدّ المرنمون المسيحيون هذا النقص الفاحش. فلا الملائكة ولا البشر بقادرين على وصف دهشة مريم بابنها منذ الحبل به حتى الأبد. النار الإلهية حلت في أحشائها ولم تحترق. حبلها معجزة المعجزات. كيف يصير ابنُ الله ابنَ العذراء؟ تجسُّدُ يسوع هو مستحيل المستحيلات. اتحاد الله بالإنسان مستحيل بصورة مطلقة. خلْقُ العالمِ كله أقل من نقطة بالنسبة لعالم التجسد الإلهي الفائق الوصف. لم ينفجر عقل مريم. لماذا؟ لأن يسوع حماه من الانفجار. كيف احتفظت ببرودة أعصابها وسط نيران الألوهة؟ فلا افرام ولا رومانوس ولا الدمشقي ولا كوزما ولا سواهم استطاعوا أن يفوا السرّ العظيم حقه. وهل تستطيع الملائكة ذلك؟ لا. ماذا نفعل؟ نطمر رؤوسنا في التراب مولولين لأننا نفاية النفايات في القدرة على تأمل السر وتعظيمه. نحن تراب ورماد، إنما صرنا بمريم مَساكنَ لله.
ظهور الملاك جبرائيل أدهش مريم. ماذا فعل حبلها إذاً؟ لا أحترم أمومتها فقط بل أحترم قدرتها المذهلة على تحمل الحدث.
ميلاد يسوع
ولدتْ يسوعَ في بيت لحم وقمطته وأودعته معلف البهائم. إذاً، كانت في موضع فيه بهائم، في إسطبل. بما أن الحبل طاهر فهو خالٍ من المخاض وتوابعه. إذاً تولَّتْ تقميطه بدون مساعدة قابلة قانونية. أودعته المعلف فحلَّ بهيميتنا. ولدته في بيت لحم مدينة داود لأنه من نسل داود. العهد القديم ركّز على ظهور المسيح من نسل داود ابنِ يسّى سليلِ ابراهيم واسحق ويعقوب ويهوذا. فالقول بمسيح آخر باطل. الكنيسة تؤمن بالولادة البتولية أي أن الولادة معجزة. وبقيت مريم عذراء.
رافقت العذراء يسوع حتى يوم صعوده إلى السماء. لم تشك يومَ صلبه كما زعم أوريجانيس[1] وبعضُ المعاصرين. ترانيم الأرثوذكس وأبيفانوس قبرص[2] والدمشقي و… ضد هذا الرأي الفاسد[3]، الذي – ويا للأسف الشديد – طُرح عندنا قبل سنوات.
العذراء أمّنا
مِن على منبر الصليب أصدر يسوع حكماً علنياً بالتبني: مريم أمٌ ليوحنا الإنجيلي ويوحنا ابنٌ لها ينعم بهذه البنوة الممثِلة لأمومة العذراء لكل المؤمنين. والابن الصالح يبرُّ بوالديه. طبعاً يوحنا صار بعد المسيح خيرَ ابنٍ لخير أم. أَولاهُ يسوعُ مهمة رائعة ليكون إلى جانب العذراء روحياً ومادياً حتى انتقالها من هذا العالم الفاني. التبنّي موجود لدى جميع الشعوب القديمة. ابنة فرعون تبنّت موسى النبي. هنا يسوع أصدر حكماً بالتبنّي. هو الحلّ الأمثل للزوجين التقيين. يوم موت الرب على الصليب، في شخص يوحنا، مريمُ هي أمٌ لنا ونحن أخوةٌ له وللرب يسوع أيضاً. يا للفخر! افرام قال إن يسوع ظهر أولاً لأمه بعد قيامته المجيدة. رقدت العذراء. وفي اليوم الثالث أقامها ابنها وأصعدها إلى السماء. بما أن جسدها مماثلٌ لجسد ابنها فهي قابلةٌ للآلام والموت[4]. لدى رؤية المصلوب جاز سيفٌ في نفسها. فمصيرها مشابه لمصير ابنها في الرقاد والقيامة في اليوم الثالث[5]. ولذلك نحن نعيِّد في 15 آب لرقادها لا لانتقالها. في 17 آب قامت ودخلت المجد الإلهي. بالاماس قال: هي التخم بين غير المخلوق (الألوهة) والمخلوق. إذاً: هي دون الخالق وفوق كل المخلوقات. إذاً: بلغَت كمالَ ملء الرجولة. بها نُسقِطُ إلى الأبد كل الأفكار التي تنال من كرامة النساء وقدرتهن على مماثلة العذراء في القداسة. كرامة المرأة في قداسة سيرتها. والباقي ضلال وتوافه ومظاهر خدّاعة.
الأرثوذكسية مدهوشة بها. تعج بمدحها الترانيمُ والأناشيد. الرسامون حاروا في تنويع فنّ رسم الإيقونات لها[6]. ربما كانت أعظمَهنَّ إيقونةُ عذراء فلاديمير (روسيا) التي تركت تأثيراً على كثيرين منهم روبلوف الشهير.
يَرِد ذكرها مراراً في صلواتنا اليومية. 1-23 آب: صوم وعيد ووداع. لا شهر مريمي لدينا في أيار لأن أيار خاص بالقيامة. في الكنائس القديمة أدوار طقسية: دور الصوم الكبير، دور القيامة، دور العنصرة… تقع العنصرة أحياناً لدى اللاتين والأرثوذكس في حزيران كما في هذا العام 2006: 4 و11 حزيران، في 2007 في 27 أيار. فلا يمكن مزج أي شيء بدور الفصح. ولذلك تنخفض في دور الفصح كمية الترنيمات للعذراء، لصالح القيامة. وتغيب قطعة “أيها الملك السماوي المعزي روح الحق…” حتى العنصرة. وعنا أخذ الغربُ عطلة اثنين العنصرة ونسي أنها للروح القدس الإلهي، فجعلتها فرنسا الآن يوماً للعمل من أجل أعمال الخير.
أي بيت ارثوذكسي يخلو من إيقونة للعذراء؟ أي أمٍ مسيحية لا تعتز بأمومتها لأن العذراء أم المسيح؟ أية بتول لا تفتخر ببتوليتها لأن مريم بتول؟ فيا أم الله، باليدين اللتين لمستا يسوع ضمّدي جراح الناس وأحزانهم وهمومهم، عزّي قلوبهم بكل تعزية روحية ليشكروا ابنك على ما أنعم به علينا من خيرات نعلمها أو لا نعلمها. احتضني الكرة الأرضية بيديك واهديها لابنك. إلى من نلتجئ في كربتنا الحاضرة إلا إلى عواطفك الرقيقة؟ فأنت درعنا الواقي. أنت سيفنا وترسنا ضد سهام الشياطين. فيكِ ننتصر، وبكِ نفوز بملكوت أبنك القدوس. نحن في حمايتك.
العذراء في الترانيم
افرام وفم الذهب ورومانوس الحمصي والدمشقي وصديقه كوزما حوّلوا العقائد الأرثوذكسية إلى أناشيد، فسار في رِكابهم اللاحقون.
الكتب الطقسية العربية غير تامة كاليونانية والروسية وسواهما. ومع ذلك هي تعج بالأناشيد للعذراء. من لا يعرف أن المرتلين يُجهدون أنفسهم في القداس الإلهي لحسن إخراج الشيروبيكون و"بواجب الاستئهال حقاً نغبط والدة الإله"؟ لدي شريط يوناني لمرتل يستفيض في ترتيلهما مطولاً. متى تزحف جحافل الأرثوذكس كجيوش جرّارة إلى الكنائس:
1- في أيام الجمعة الخمسة الأولى من الصوم الكبير لسماع المدائح وترنيمة “إن جبرائيل إذ اعتراه الذهول…” ما أطيبها من فم سيدنا الياس قربان حالياً، وقديماً من فم المرحوم المطران تريفن غريّب (اللاذقية)!
2- في آحاد ذلك الصوم لسماع ترنيمة “إن البرايا بأسرها تفرح بكِ…” الرائعة.
3- في يوم الخميس العظيم ويوم الجمعة العظيم ويوم الفصح.
إن جُمعت ترانيم الأرثوذكس للعذراء ألّفت مجلداً كبيراً جداً. الأرثوذكسية مدهوشة بسر اتحاد اللاهوت والناسوت في بطن العذراء وبهذه الفتاة التي وُجِدت جديرة بهذا المجد الإلهي. بولس قال: “لمّا حان ملء الزمان أرسل الله ابنه مولوداً من امرأة…” (غلا 4:4-6). ما هو ملء الزمان؟ هل هو فقط حلول الوقت لظهور الله في الجسد لخلاص الجنس البشري؟ أليس بالأحرى أيضاً هو ظهور الفتاة الجديرة بقبول نعمة ظهور ابن الله بواسطتها؟ نعم، مريم هي ملء الزمان، هي المغناطيس الذي جذب اللهَ إلى الأرض. ما كان يسوع ليولد من أية فتاة أياً كانت. كان ليولد فقط من فتاة جديرة بأن تسمّى “أم الله”، “والدة الإله”. فيا والدة الإله ضمّي إلى ابنك يسوع جميع المُرتَمين عند قدميك واحمليهم على ذراعيك كما حملتِهِ لتقدميهم إليه تائبين خاشعين صادقين. ففي لهيب جحيم حياتنا هنا مَن لنا مِن ساعدٍ رفيع سواكِ يا أمّ العلي! نحن غرقى وحرقى فأنقذينا من طوفان خطايانا. يا عذراء احمي العذارى والرهبان وأنعمي على كنيستك بالعاملين الأبرار المنزَّهين الزاهدين في الدنيا والمجد الباطل والمنافخات. اطبعينا بتواضعك.
“والدة الإله”. تفنّن المرنّمون والشعراء ورسّامو الإيقونات في تعظيم العذراء. إلاّ أن عبارة “والدة الإله” هي أقوى من كل نشيد ومديح. صلابة معدنِ مريمَ جعلتها تتحمل البشارة بالحبَل بابن الله. ما كان يوسف اليهودي قادراً على تحمّل البشارة بحبَل عذراء وبخاصة بحبَلها بيهوه فادي إسرائيل ومخلّصه. هذا يتنافى مع إيمانه بتنزّه الله عن الاتحاد بالعالم. أتاه الملاك في الحلم فتحمل بهاظة الخبر المثير لا للدهش فقط بل للخروج من الذات، بل الخبل. الإله صار إنساناً والمرأةُ صارت والدةً لله. بدون الروح القدس مَن يستطيع أن يؤمن بذلك؟ ما كانت الملائكة تعلم بهذا السر (بولس والترانيم). في أحشائها اتحد الإلهُ بالإنسان. ما هذا السرّ الرهيب؟ حملت في أحشائها وولدت ابناً حملته بيديها وأرضعته وهو إلهنا الكائن قبل الأزل. ألم يقدِّس أحشاءها وساعديها وصدرها؟ ألم تقبّله فقدّس شفتيها؟ ألم تقمطه فقدّس يديها؟ ألم يطهرها الروحُ القدس برمتها روحاً وجسداً؟ أما كانت في كل ذلك لهيباً من العشق الإلهي؟ أما صارت زعيمة ما يسمّونه “التصوّف”، بامتياز إلهي؟ فلا يوحنا الإنجيلي ولا غريغوريوس اللاهوتي ولا سمعان اللاهوتي الجديد ولا سيرافيم ساروفسكي إلا أطفالها الصغار. كلنا على حساب فتاتها.
التلمود اليهودي قال إن المرأة خالية من الروح. الفلسفة اليونانية[7] تحتقر الجسد. تعظيم العذراء بهذه الصورة هو رفض للتلمود وللفلسفة اليونانية وللإباحية ولكل توابعها، وتقديسٌ للبتولية. العذراء علّمتنا أن الجسد مدعو للقداسة لا للنجاسة والزنى والفحشاء. أليس هو هيكلاً لله؟
العـذراء والهراطقـة
أريوس لا يؤمن بألوهة يسوع ولذلك هو لا يؤمن بأنها أم الله.
نسطوريوس ضلّ فقال بأقنومين وطبيعتين متجاورتين. القول بأقنومين هرطقة. القول بالتجاور هرطقة. لم يفهم الاتحادَ الأقنومي فحرمه المجمع المسكوني الثالث (431) وسواه. هرطقته فاحشة. رفض القول بأن العذراء هي أم الله. هناك هرطقات معاصرة تقول بالاتحاد الأقنومي وتنكر أمومة العذراء لله: تناقض عجيب غريب لا تبرأ معه من تهمة الهرطقة. الانفصال عن تقليد الكنيسة الحي ميّز دوماً الهراطقة. لهم تاريخ. ظهروا في زمان معين بينما الأرثوذكسية تعود إلى القرن الأول في سلسلةٍ متواصلةِ الحلقات.
الابتهالات إلى العذراء
الأرثوذكسية ترفض القول بكنيسة مجاهدة وكنيسة ظافرة[8]. في أفسس وكولوسي والعبرانيين، البشر والملائكة وأرواح الأبرار أعضاء في جسد المسيح الواحد، مقرِّ الروح القدس. في رومية 15:8 و26 وغلاطية (4:4-6) الروح القدس الساكن فينا هو الذي يصلي ويقول في يسوع إنه الرب (1 كور 1:12-3). في كتابنا "هرطقات معاصرة" عالجنا الأمر. الصلاة من أجل الآخرين فرضٌ ديني. الفردية عدو الأرثوذكسية اللدود. كلنا في السماء وفي الأرض واحدٌ لأن الآب واحدٌ والرب يسوع واحدٌ و… (أفسس 4). الأرثوذكسية بذلُ ذاتٍ كما بذل المسيح ذاته لا فردية أنانية انتفاخية (يوحنا 34:13). في يسوع كلنا واحد لا مذاهب متنافرة يفسر كلٌ منها الكتابَ المقدس وفق هواه. يسوع يدخل بالقربان المقدس حياةَ كل أرثوذكسي في العالم ليصيِّرهم واحداً كما هو والآب واحد. فسحقاً للفردية والغطرسة. كلنا ندور في فلك يسوع لا العكس. الأناني يفصل نفسه عن الشركة. اللاهوت الأرثوذكسي شخصاني لا فردي. الحيوانات أفراد لا أشخاص. الكنيسة كنيسةُ أشخاصٍ وليست أفراداً. الشخص يتحد روحياً بالله وبالأشخاص الآخرين. الكنيسة كلٌ لا متفرقات لا لحمة بينها.
يسوع الحلو جداً
أنتَ النصيب الصالح لمريم أختِ لعازر التي دهنت قدميك الطاهرتين بطيب. فكنْ النصيبَ الصالح لجميع الذين بفضل فتات[9] طيوبهم الزكية ما فقدتُ النظر بل قرّبتُ لك ذبائح من الكتب النافعة للكنيسة، لمجد اسمِكَ وحدك وخيرِ القرّاء الكرام. فتقبلْ هذه الذبائح مفيضاً روحك القدوس على طيوبهم. واحمِ هذا القلم سالماً ليسبّحَك حتى رحيلي إليك. وارحمْ كنيستك الإنطاكية وابعثْ فيها المعلمين الصالحين المشابهين ليوحنا فم الذهب. وارحمْ الراقدين من الأهل والصحب الكرام وضمّهم إلى مختاريك الجياد.
21/10/2007
الذكرى 38 لرسامة المغبوط الصديق الوفيّ
المطران أليكسي
توضيحات هامة ومفيدة
الإتحاد الاقنومي:
الرب يسوع المسيح هو اقنوم واحد في طبيعتين متحدتين اتحاداً تاماً إلى أبد الأبدين ودهر الداهرين.
الطبيعة البشرية في أقنوم يسوع المسيح مقنّمة أي أن أقنوم الطبيعة الإلهية الذي ضمها إليه صار أقنوماً لها. ولذلك فإن يسوع هو أقنوم للطبيعتين بدون أن يكون منشطراً بينهما. صارت الطبيعة البشرية جزءاً من أقنوم يسوع. قبل التجسد الإلهي في يوم البشارة المقدس كان أقنوم يسوع أقنوماً إلهياً من أقانيم الثالوث القدوس، مالكاً للطبيعة الإلهية. ولكن بعد التجسد الإلهي صار أيضاً أقنوماً للطبيعة البشرية. بهذا الاتحاد الإلهي الأقنومي امتلأت الطبيعةُ البشرية من أنوار الطبيعة الإلهية. وإن كان كل من الأقانيم الإلهية يملك تمام الطبيعة الإلهية إلا أن التجسد الإلهي انحصر بأقنوم الابن. العذراء مريم والكنيسة والمؤمنون والقربان المقدس لا يصيرون جزءاً من الأقنوم الثاني لأنهم لا يتحدون بالجوهر الإلهي بل يتحدون بالنعمة الإلهية. هذا السر عظيم جداً. كيف؟ تكون الطبيعة الإلهية برمتها للآب والابن والروح القدس ويكون التجسد الإلهي منحصراً باقنوم الابن فقط. إن هذا السر لعظيم جداً.
مريم العذراء تحتل مقاماً كبيراً في الكنيسة ولكن لا تتَّحد بالجوهر الإلهي. ويجب أن نستوعب هذه الحقيقة الخالدة أن الطبيعة البشرية التي أخذها يسوع من أمه، وحدها متحدة بالطبيعة الإلهية. إن كان المؤمنون والعذراء والكنيسة والقربان متحدين بالجوهر الإلهي فاتحادهم هذا يعني أنهم جزء من أقنوم يسوع.
طبيعة الاتحاد الأقنومي الإلهي لا تتحمل وجود أحد في هذا الاتحاد وإلا دخل تشوشٌ إلى أقنوم يسوع. في الأساس التجسد الإلهي نفسه هو عملية خارقة للطبيعة بصورة فائقة الطبيعة. أوجز: الطبيعة البشرية في يسوع المسيح وحدها قادرة على الاتحاد الاقنومي باقنوم يسوع المسيح.
الاتحاد بالطبيعة الإلهية مستحيل لولا أن الرب يسوع نفسه قام بهذه العملية. مبدئياً اللهُ، له المجد، فوق كل الحدود ولذلك يستحيل حتى على الملائكة الاتحادُ بجوهره. "الله لم يره أحد قط" (يوحنا 1 : 18).
لوسكي قال في الصفحة 163 وجوارها من الأصل الفرنسي: إن الكنيسة مقنمةٌ. ربما أخذ ذلك عنه يوستينوس بوبوفيتش الذي لم يدعم رأيه هذا بنص من الآباء القديسين، كعادته دائماً، فهو يعتمد في كل شيء على الآباء القديسين إلا هنا. ولادة العذراء في صورةٍ بتولية هي معجزة إلهية، فقد تمت الولادةُ بدون طلق أو مخاض ونفاس. لأن الحبل تمَّ بفعل الروح القدس فقط. فالروح القدس طهَّر العذراء وقدَّسها ليكون الحبَلُ والولادة بمعونة الروح القدس. ولذلك فالأمران معجزتان إلهيتان. أما بتولية العذراء الدائمة فهي بندٌ من إيمان الكنيسة منذ البداية. الترجمة البروتستنتية الجديدة ترجمت الآية الخامسة والعشرون من الفصل الأول من أنجيل البشير متى هكذا: "" ولكنه لم يعرفها حتى ولدت ابنها"". الأستاذ يوسف الخال هو الذي صاغ أدبياً هذه الترجمة فزاد لفظة: "ولكنه" على النص ليعني أن يوسف عرفها بعد الولادة. في تعليقي على هذه الآية، في ترجمتي للإنجيل المذكور، أثبتُ أن "حتى" لا تعني ذلك لأن الجملة خالية من القرينة على ذلك. يوسف الخال زاد لفظة "إنما" ليقيم قرينة على أن يوسف عرف مريم بعد الولادة. هذا تزوير للنص اليوناني المُسلَّم به عالمياً. راجع فصول د. عدنان طرابلسي في كتاب "سألتني فأجبتُك" وترجمته لشرح الذهبي الفم لإنجيل البشير متى.
في رسالة أفسس وانجيل يوحنا وسواهما: الله هو "أبو ربنا يسوع المسيح". الآب هو أبٌ ليسوع المسيح الإله والإنسان، أعني أنه أبٌ لأقنوم يسوع المؤلف من الطبيعتين الإلهية والبشرية. الآب ولد أقنوم الابن منذ الأزل وإلى الأبد ولم يلد الطبيعة البشرية، ولكننا لا نستطيع أن نشطر أقنوم يسوع الواحد. فالآب أبٌ ليسوع الإلهِ والإنسانِ بسبب وحدة الأقنوم. وبالمقابل مريم العذراء هي أم للإله-الإنسان يسوع المسيح بسبب وحدة الأقنوم. النساطرة قالوا إنها: "أم يسوع" لا "أم الإله". المجامع المسكونية بدءاً من المجمع الثالث المسكوني شجبت نسطوريوس واتهمته بالجحود، لأن الفصل بين الطبيعتين في يسوع المسيح هو كفر، لأن الخلاص لا يتم إلا بالإنسان يسوع المسيح المتحد بالإله يسوع المسيح في أقنومٍ واحدٍ. فموت المسيح الإنسان على الصليب بدون هذا الإتحاد "بين الطبيعتين الإلهية والبشرية" هو موتُ إنسانٍ بريء لا موت إنسان متحد بالألوهة. هذا الاتحاد هو من جعل الخلاص ممكناً.
قد يؤمن بعض البروتستانت بالإتحاد الأقنومي ويرفض القول إن العذراء مريم هي أم الإله هذا تناقض فاحش مخالف للنصوص التي ذكرنا من العهد الجديد.
في العالم العربي لا يتعرضون لهذه النقطة "الإتحاد الأقنومي" بل يحصرون أنفسهم في استشهادات سطحية من العهد الجديد. أنصحهم بالعمق اللاهوتي في هذا الكتاب ليلقوا الحقيقة الناصعة. ميزة الأرثوذكسية هي الأمانة لتعليم الكنيسة طول ألفي عام.
كتاب التريودي يحتوي صلوات الصوم الكبير وأسبوع الآلام. فيه عدد كبير من التراتيل الموجهة إلى العذراء مريم والتي تناقض قول أوريجانس وبعض علماء البروتستانت في شأن ارتياب العذراء مريم أمام الصليب في الجلجلة. هذه التراتيل تؤيد إيمان العذراء المطلق بأن ابنها المصلوب هو الرب والإله. الأرثوذكسية، والكثلكة، ويوحنا الدمشقي، وابيفانوس، والتراتيل، سورٌ منيع لإكرام مريم العذراء. التراتيل الأرثوذكسية مترعة بالتعاليم العقائدية. أصابع يوحنا الدمشقي وكل التابعين واضحة في هذا الإطار. ما تقول به الكنيسة هو الصحيح لا ما يقوله المتفذلكون.
في انجيل يعقوب المنحول أكرامُ العذراء واردٌ تماماً وواضح. فالكنيسة منذ البداية تكرم العذراء وتطوبها. وتتمثل العذراء مريم في الكنائس والبيوت بعدد كبير جداً من الأيقونات التي تمثل عدة حقبات من حياتها كالبشارة والميلاد ودخول السيد إلى الهيكل والرقاد و و و …
بعض هذه الأيقونات بقلم لاهوتيين مبدعين كَأيقونة عذراء فلاديمير المرسومة في القسطنطينية والمنقولة إلى روسيا في القرن الحادي عشر وهي في المتحف بموسكو. اهتدى بها الرسام الروسي الكبير القديس اندريه روبلوف، حتى في أيقونة الثالوث القدوس. (راجع كراستي عذراء فلاديمير) وكتاب (دمشق ولاهوت الأيقونة).
الأيقونات جزء لا يتجزأ في بنية الكنيسة. يسوع والعذراء في صدر كل أيقونسطاس. ولكن ليس في تقليد الكنيسة الأرثوذكسية وجود للتماثيل. التقليد الارثوذكسي انحصر في الأيقونات قبل المجمع السابع المسكوني وبعده حتى يومنا هذا. الروحانية الأرثوذكسية لا تتفق مع التماثيل لأن الأيقونة توحي خشوعاً روحياً لا توحيه التماثيل أبداً. وتكتسح صور العذراء كل بيوت الأرثوذكس في كل الدنيا وكتبهم وحتى مفاتيح سياراتهم.
العذراء لدى الآباء القديسين والمجامع المسكونية
المجمع الأول المسكوني المنعقد في العام 325م ضد أريوس كتب في دستور الإيمان: ""الذي من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا نزل من السماء وتجسد من الروح القدس ومن مريم العذراء….""
هذا النص يثبت إيمان الآباء القديسين وكنائسهم وبتولية العذراء مريم الدائمة. يبدو أن بعض الفِرَق المعاصرة أدركت هذا الأمر فرفضت تلاوة الدستور وأنكرته. لذلك على كل المذاهب التي تتلو دستور الايمان أن تعلن جهراً ببتولية العذراء الدائمة.
المتجددون أصحاب "كتاب الحياة" ترجموا متى (1: 25): "لم يدخل عليها….." بدلاً من "لم يعرفها". عبارتهم سمجة بينما الأصل اليوناني والترجمات المحافظة استعملت عبارة" لم يعرفها" الأنبل والأعمق روحياً وفلسفياً وأنثروبولوجياً. وهكذا يتهربون من الحقيقة ليلازموا الهرطقات. كتابهم المذكور غير صالح للقراءة. على الأرثوذكس أن يرفضوه.
نسطوريوس، رئيس أساقفة القسطنطينية (328-331)، السوري، افتضح أنه لا يؤمن بأن مريم هي أم الإله. قامت القيامة عليه في القسطنطينية والعالم المسيحي فانعقد المجمع المقدس المسكوني الثالث في مدينة أفسس في العام 431م، فدان نسطوريوس واعترف بأن مريم هي أم الإله.
المجامع المسكونية السبعة أعمدةُ الأرثوذكسية. لم تقرر الإيمان بل أعلنت إيمان الكنيسة الرسولي. فالآباء المجتمعون يمثلون كنائسهم ويعترفون في المجمع بإيمان كنائسهم منذ العهد الرسولي إلى تاريخ كلٍ من المجامع. فإيمان الكنائس منذ الرسل حتى المجمع الأول هو الإيمان ببتولية العذراء الدائمة، وإيمانهم بأن العذراء هي أم الإله حتى العام 430م. في العام 431 قرَّر المجمع المسكوني الثالث إيماننا بكون العذراء هي والدة الإله. فصارت هذه العقيدة إلزاميةً، مَن يُنكرها يُعتبر هرطوقياُ.
الكنيسة لم تولد مع لوثر وما تفرَّع عنه من مذاهب بل ولدت يوم العنصرة بحلول الروح القدس المقيم في الكنيسة. من ضلالات أتباع لوثر الخطرة هي الولع بتاريخ الشعب اليهودي والتهليل له وللملك سليمان صاحب الألف امرأة من شرعيات وسرّيات ووثنيات جررنه إلى عباداتهنّ الوثنية. أما تاريخ الكنيسة من العنصرة حتى الآن فلا يثير انتباههم لأن الكنيسة فارغة من الروح القدس بينما الشعب اليهودي ممتلئ من الروح القدس. هذا موقف لا يدعو إلى الإعجاب. آباء الكنيسة ممتلئون من الروح القدس بينما لم يحلّ قبل العنصرة في قلوب رجالات العهد القديم.
المجامع المسكونية حددت بعض العقائد. الكنيسة ملزَمة بهذه التحديدات التي تمثل تعليم الكنيسة عبر العصور. الاعتراض على تحديدات المجامع المسكونية مرفوضٌ لأنها تتضمن عقيدة الكنيسة الرسمية النهائية. يمكن شرحها لا مخالفتها. المجامع المسكونية انعقدت ضد الهرطقات التي ناقضت ايمان الكنيسة الجامعة، فشجبتها شجباً نهائياً، لذلك كل من ينكر الثالوث القدوس هو "هرطوقي" أياً كان مذهبه . وكل من ينكر التجسد الإلهي كان هرطوقياً. الإيمان بالثالوث القدوس، والتجسد الإلهي، وأمومة العذراء لله، والصلب، والموت، والقيامة، هي أهم أركان الدين المسيحي.
في كتاب بوبوفيتش و"سر التدبير الإلهي" سيلٌ من المراجع الآبائية التي تعترف بان العذراء مريم هي والدة الإله. آباء الكنيسة هم كواكب تاريخ الكنيسة الذين حموا إيمانها من الضلال وذلك بفعل الروح القدس الساكن في الكنيسة "الذي يحفظ إيمانها" (2 تيمو 1: 14).
إيماننا الأرثوذكسي لوالدة الإله صخرةٌ إلهية لا تتزعزع. العذراء جزء لا يتجزأ من حياة كل أرثوذكسي يغار على إيمانه.
عقد الدكتور عدنان طرابلسي فصلاً هاماً عن الحبَل بلا دنس في كتاب "سألتني فأجبتُك"، (راجعوه).
الأرثوذكسية تمتاز بالمواقف المعتدلة دون إفراط أو تفريط. لا تهمل العذراء مريم ولا تبالغ في اكرامها إلى حد استعمال عبارة "عبادة العذراء" .
العبادة لله فقط. أما الأرثوذكسية فتكرم العذراء مريم وتجعلها فوق البشر ولكن دون ابنها الحبيب يسوع المسيح. هي أم الإله ولكنها ليست إلهاً ولا أقنوماً إلهياً؛ هي مؤلَّهة بالروح القدس. لذلك ليس في تكريمنا لها مبالغات. ترانيمنا ترفعها فوق الملائكة والبشر وهي غاية في الجودة البيانية والموسيقية. من لا يتهلل حين سماع: " إن البرايا بأسرها تفرح بك يا ممتلئة نعمة …"؟
الشهر المريمي:
شهر مريم في الأرثوذكسية هو شهر آب. استحدثت الكنيسة الغربية أمراً مخالفاً لتقليدنا المشترك ألا وهو أن السنة الطقسية موزعة بين أدوار. من الفصح إلى العنصرة الدور هو الدور الفصحي الذي تتناقص فيه أناشيد العذراء لصالح القيامة.
الغرب استحدث شهراً مريمياً هو شهر أيار. العنصرة لدى الغرب تقع في العام 2009 في 7 حزيران وفي العام 2010 في 13 حزيران. فهل يجوز أن يكون شهر مريم في الدور الفصحي؟ الغرب أخذ كل شيء تقريباً من الشرق. يضيع الفهم" فيخربط" . في فرنسا يوم اثنين العنصرة كان يوم عطلة رسمية حارَ الفرنسيون في فهمه فخصَّه الرئيس الكاثوليكي جاك شراك بالعمل لتخصيص الرواتب للأعمال الخيرية. في ألمانيا الحيرة نفسها. في الأرثوذكسية اثنين العنصرة هو عيد للروح القدس. ليست هي الحيرة الوحيدة في الغرب. جادلوا كثيراً حول لحظة حلول الروح القدس على القرابين. عادوا إلى الأرثوذكسية فزادوا على خدمة قداسهم استدعاء الروح القدس. الموارنة استعاروا النص من قداسي باسيليوس والذهبي الفم. ألف مبروك…
العذراء في خدمة القداس الإلهي
في “صينية الذبيحة”: يشغل الحمل وسطها وجزء العذراء عن يمينه. وهناك أجزاء الملائكة والقديسين والأحياء والأموات. في ملكوت الله الذي يضم الكلَّ حول المسيح تحتل العذراء يمينَ السيد. إنما في المناولة فلا تدخل الأجزاء أبداً وإلا كانت المناولة ناقصة. الأمر واضح في كتاب خدمة الكاهن. هذا يضع الأجزاء في الكأس بعد مناولة الشعب لا قبلها.
عيد القديس جاورجيوس 6 / أيار / 2009
المراجــع
1- جان-كلود لارشيه:
أ- معالجة الأمراض الروحية (الربع الأول، ترجمة الأب ابراهيم سروج – للطبع).
ب- المناقبية والتناسل (ترجمة الدكتور اليان فركوح، للطبع).
2- الدكتور عدنان طرابلس.
أ- الرؤية الأرثوذكسية للإنسان.
ب- وسقط آدم.
ج- رقاد العذراء، جريدة حمص، العدد
د- فم الذهب على إنجيل البشير متّى، الجزء الأول.
3- اسبيرو جبور:
أ- سرّ التدبير الإلهي.
ب- التجليات في دستور الإيمان.
ج- الظهور الإلهي.
د- المرأة في نظر الكنيسة.
ﻫ- ميلاد المسيح.
4- فلاديمير لوسكي، اللاهوت الصوفي (الأصل الفرنسي).
5- يوستينوس بوبوفيتش (الترجمة الفرنسية).
6- روائع آباء الكنيسة. ترجمة. البطريرك الياس والآباء الياس مرقص وافرام كرياكوس ومنيف حمصي. والدكتور عدنان طرابلسي والمرحوم الأب اسحق عطالله.
خاتمة
جاء في سفر التكوين أن آدم عرف زوجته بعد سقوطهما من الفردوس. آباء الكنيسة الكبار غريغوريوس النيصصي ويوحنا فم الذهب ومكسيموس المعترف ويوحنا الدمشقي وسواهم قالوا إن آدم وحواء كانا بتولَين في الجنة. المؤتمر اللاهوتي الأرثوذكسي الأول المنعقد في أثينا (1936) قرر وجوب الأخذ بما قالت به أكثرية الآباء. هنا كل الآباء قالوا بالبتولية في الجنة وفضَّلوا، مع الرب يسوع (متى 19) وبولس الرسول (كو 1: 7)، البتوليةَ على الزواج. التيار الرهباني اكتسح العالم المسيحي القديم بسرعة فائقة فحفظَ الإيمان الأرثوذكسي في حوض المتوسط أولاً ثم أقطار الدنيا ثانياً.
روحانية الأرثوذكسية رهبانية تتمثل اليومَ في تراث أديرة جبل آثوس في اليونان. الراهب العظيم غريغوريوس بالاماس الآثوسي هو الذي أنقذ في القرن الرابع عشر تراث الأرثوذكسية. وما زال حتى اليوم هو المعلم الأرثوذكسي الممثل لتراث الآباء القديسين والمجامع السبعة المسكونية. كل التراث الآبائي والرهباني يمنح الأولوية للرهبان. هذا لا يعني أننا لا نحترم الزواج. فالرهبان أولاد آبائهم. وعلَّمنا بولس الرسول أن الزواج مُكرَّم والمضجع غير دنِس. وفي الكنيسة قديسون من كل فئات المجتمع.
والأمهات هنَّ اللواتي ولدْنَ آباء الكنيسة والقديسين الرهبان. جَدّة باسيليوس الكبير أخرجت أسرته الألمع في التاريخ. المجمع الرابع المسكوني سمَّى باسيليوس شيخَ آباء الكنيسة. أمُّ غريغوريوس اللاهوتي روعةٌ من الروائع. أما أمُّ القديس يوحنا فم الذهب فمفخرة المفاخر. امتدح مراراً الأراملَ والصبايا واعتبرهنَّ زينةَ الكنيسة. ولما نُفيَ حلَّتْ محله في إدارة شؤون التيار الأرثوذكسي في القسطنطينية الشمَّاسةُ أولمبيا.
القداسةُ صبغةٌ إلهية لا تقتصر على الرهبان بل تصبغ كلَّ مَن عاش ممتلئاً من الروح القدس. ألم تقلب القديسةُ هيلانة الأمبراطوريةَ الرومانية، فصارت مسيحية؟ ألم تقلب القديسةُ أولغا روسية فصارت مسيحية؟ مساحتها 17 مليوناً ونصف كلم مربع وكانت بالأمس 22 مليوناً، أي سدس الكرة الأرضية؟ ولما زار فلاديمير بوتين جبلَ آثوس قال: "نحن مرتبطون بهذا الجبل". أي ان الروحانية الروسية رهبانية آثوسية.
وفي الغرب تطوَّر الأمر نحو بتولية الإكليروس. في القرن الرابع أضحى الإكليروس عازباً. في الشرق سار الأمرُ نحو بتولية الأساقفة فقرر في العام 961 المجمعُ السادس المسكوني بتوليَة الأساقفة. كتب اللاهوتي الكبير سيرج فيرخوفسكي في مجلة أرثوذكسية فرنسية إنَّ بتولية الأساقفة صارت عقيدةً أرثوذكسية. وفي مجلة أخرى أرثوذكسية فرنسية تُصدِرها بطريركية موسكو، كتب الأب بيار مقالاً في بتولية الإكليروس وسواهم.
اسبيرو جبور
7 تموز 2009
عيد القديسة كرياكي
توضيح أخير في 8/11/2009
لم تكن الطبيعة البشرية موجودة قبل لحظة التجسّد، بل وُجدتْ أثناءه مُتَّحِدةً بالطبيعة الإلهية في أقنوم يسوع. تمّ العَمَلان في لحظةٍ لا في لحظتَين وبدون فارقٍ زمني بينهما. بذلك لاحظنا الفلسفة اليونانية الوثنية التي قالت بسَبْقِ وجود الأرواح على وجود الأجساد وباللصْق بين الروح والجسد (أفلاطون وأرسطو). نقول خلافاً لها إن اللهَ يخلق الانسانَ في رحم المرأة في لحظة واحدة. يخلق الشخصَ وفيه روحٌ مخلوقة وجسدٌ مأخوذ من الأبوَين. التركيز هو على الأقنوم، أي الشخص: يسوع أقنومٌ في طبيعتَين والانسان أقنومٌ في جوهرَين هما الروح والجسد، خلافاً لمزاعم هرناك الألماني وأشباهه. لم يتأثر آباؤنا الناطقون باليونانية بالفكر اليوناني. لذا قالت اللاهوتية الكبيرة "ميرا بورودين" إن هرناك لم يفهم منهم شيئاً.
[1] أوريجانيس: دانه المجمع الخامس المسكوني في العام 553 وعدَّد هرطقاته (في مجموعة الشرع الكنسي). حاول البعض حديثاً الدفاع عنه عبثاً. لديه أمور كثيرة جيدة ولكنه هرطوقي.
[2] عدَّه أبيفانيوس هرطقة. رفضه الدمشقي (العظة 14:2 على رقاد العذراء).
[3] وهناك معاصرون اتهموا المعمدان بالشك. رفض فم الذهب العظيم ذلك.
[4] – نذكِّر أن بالاماس يقول إن الطبيعة البشرية التي أخذها يسوع من العذراء وحدها متحدة بأقنومه.
[5] للآباء في رقادها أقوال رائعة ترى قسماً منها في مقال الدكتور عدنان طرابلسي في مجلة “النور”، العدد
[6] الكنيسة الأرثوذكسية ومثلها اللاتينية والقبطية والسريانية والأرمنية والحبشية وبعض المجموعات البروتستانتية تؤمن بأن العذراء مريم هي بتول ووالدة لله. النساطرة وباقي البروتستانت يقولون إنها أم المسيح لا والدة الإله. ناكرو لاهوت المسيح: أريوس وشهود يهوه وأضرابهم كفّار هدّامون.
1 قال أفلاطون الفيلسوف الشهير بإباحية النساء وشيوعيتهن، وأن روح المرأة شبيه بروح الحيوان. هذه هي الفلسفة اليونانية التي ينتفخ بها المثقفون في الغرب. المسيحية أخرجت النساء من وحل الفكر العالمي السابق لها.
1 الغرب يقسم الكنيسة إلى ظافرة في السماء ومجاهدة في الأرض. هذا يضعف شركتنا مع القديسيين الراقدين. نحن واياهم واحدٌ في جسد يسوع. الروح القدس يسكن في رأس الكنيسة، أي يسوع، وينساب منه إلى كل الأعضاء ( يوحنا فم الذهب). فلا المسيح انقسم ولا الروح القدس انقسم. أرسطو يقسم الأمور أما الكنيسة فلا تُقسَم. أرسطو سببٌ كبير لخلافات عديدة بيننا وبين الغرب المسيحي. نحن طَردنا الفلسفةَ اليونانية من اللاهوت مع أن آباءنا كتبوا باليونانية. الغرب أعاد الفلسفة اليونانية إلى اللاهوت.
[9] متى 27:15. أنظر “التجليات في دستور الإيمان” ص 17.
[1] القول بالاتحاد الإلهي يوم البشارة يعني للأرثوذكس واللاتين أن الله في لحظة حبل الزوجين يخلق الروح أيضاً. أرثوذكسياً نقول: في لحظة ما – لا يعلمها إلا الله – يخلق الله في رحم الأم الشخص البشري وفيه روح وجسد. عزيزنا الأب جان بريك في كتابه “الحياة هبة…” (ترجمة كاترين سرور) يحاول تحديد اللحظة علمياً. هذا تطرف. علم الجنين يتطور باستمرار. لا أربط اللاهوت به. إنما كون الجنين شخصاً منذ اليوم الأول يعني لاهوتياً أن الإجهاض قتل إنسان. الأم والطبيب والقابلة القانونية وكل شريك في الأمر هم قتلة. على النساء الحذر الشديد والخوف من الضمير الجارح.
[2] الإنجيل ذكر تدخل الروح القدس يوم الحبل لا يوم الميلاد. فهل الجنين بلا روح حتى يوم ميلاده؟ اللاهوت صنعة عسيرة ورهيبة لا تمارَس بخفة ودون تدريب.
[3] غريغوريوس اللاهوتي (9:45) وكيرللس الأورشليمي (6:17) والدمشقي (3:3).
[4] الفعل في صيغة المستقبل حيث ستكون زوجة: البتولية واضحة.
[5] حلول الروح القدس يوم الظهور الإلهي هو شهادة ليسوع بأنه ابن الله. هناك خطأ القائلين بأن الروح القدس سكن فيه يوم “الغطاس”.
“والروح بهيئة حمامة يؤيد حقيقة الكلمة" طروبارية الظهور الإلهي.
[6] – لم تكن الطبيعة البشرية موجودة قبل الاتحاد الأقنومي، بل وُجدت في لحظة الاتحاد.
[7] راجع تعليقنا على ترجمتنا للإنجيل بحسب متى.
[8] يسوع وبولس الرسول، ميّزا البتولية (متى 19 و 1 كور 7). في أيام بولس الرسول اندفعت الصبايا في التبتّل (1 كور 7). وكانت الرهبناتُ وتبتل رجال الكهنوت، حتى صارت بتوليةُ الأساقفة عقيدةً (فيرخوفسكوي ومثال هام في العدد 52 العام 1965 من Messager بطريركية موسكو). في كتاب صديقنا لارشيه “المناقبية والتناسل” فيض من النصوص.
[9] أنظر تعليقنا عليهما في ترجمتنا لإنجيل البشير يوحنا.
[10] الدمشقي 3:3 و6 و11 وبالاماس (ص. 254 من مدخل مايندورف). يجب الانتباه إلى دقة هذا الموضوع الهام جداً.
[11] بالاماس، الفصل 75 من الفصول 150 وص 254 من مدخل مايندورف.
[1] راجع: الدكتور عدنان طرابلسي، “وسقط آدم”، وكتابنا “الاعتراف والتحليل النفسي”.
انا لم اقم بالقراءة بعد لكنى من كثرة اعجابى بعلم اللاهوتى الكبير الشماس اسبيرو جبور لم اتمالك نفسى من تقديم الشكر له مقدما واذا سمحتم لى بالاضافه التاليه انه وحتى لو وجدت ما يختلف مع فهمى كارثوذكسى قبطى لكن ساتفهم هذا الاختلاف وساصلى كى اتفهم اى خلافات متعنا الله جميعا بالمحبه لبعضنا البعض كجسد واحد للمسيح الذى هو رأسه ونصلى من اجل الوحدة بصلوات والده الاله سيدتنا العذراء مريم امين ودمتم معافين فى الثالوث القدوس