شرح عقيدة الثالوث
وحدانية الجوهر وتمايز الأقانيم فى الثالوث :
· الآبـــــ : هو الله من حيث الجوهر وهو الأصل من حيث الأقنوم.
· الابن : هو الله من حيث الجوهر وهو المولود من حيث الأقنوم.
· الروح القدس: هو الله من حيث الجوهر وهو المنبثق من حيث الأقنوم.
الآب
رسم توضيحى لوحدانية الجوهر وتمايز الأقانيم فى الثالوث |
الابن الروح القدس
الأقانيم تشترك معاً فى جميع خواص الجوهر الإلهى الواحد وتتمايز فيما بينها بالخواص الأقنومية.
فالآب : هو الأصل أو الينبوع فى الثالوث، هو أصل الجوهر وأصل الكينونة بالنسبة للأقنومين الآخرين.
والابن : هو مولود من الآب ولكنه ليس مجرد صفة بل أقنوم له كينونة حقيقية، وغير منفصل عن الآب لأنه كلمة الله.
والروح القدس : هو ينبثق من الآب ولكنه ليس مجرد صفة بل أقنوم له كينونة حقيقية وغير منفصل عن الآب لأنه روح الله.
· وفيما يلى بيان بالخواص الأقنومية للأقانيم الثلاثة وبأمثلة من الخواص الجوهرية التى لا يختلف أى أقنوم فيها عن الآخر. ولكنها كألقاب تتناسب مع كل أقنوم بحسب خاصيته :
الثالوث القدوس | الآب | الابن | الروح القدس |
الخواص
الخواص الأقنومية الجوهرية |
والد وباثق
الأبوة |
مولود
البنوة |
منبثق
الانبثاق |
حق | الحقانى
(ينبوع الحق) |
الحق
(يو8: 32،يو 14: 6، رؤ3: 7) |
روح الحق
(يو14: 17، يو15: 26، يو16: 13، 1يو4: 6) |
عقل
|
العاقل
(ينبوع العقل) |
العقل (المولود) = الكلمة (يو1:1)
= اللوغوس= العقل منطوق به |
روح العقل
انظر روح الفهم أش11: 2 |
حكمة | الحكيم
(رو16: 27،يهوذا25)
|
الحكمة h sofia
(أم3: 19، أم8: 12، 1كو1: 24، كو2: 3،رؤ5: 12) |
روح الحكمة
(حك6:1، أش11: 2، أف1: 17) pneuma sofia |
محبة
(1يو4: 8) |
المحب
(يو 17 : 24) |
المحبة
(1يو 3 :16) |
روح المحبة
(2تى1 :7 ) |
حياة | الحى
(حز5: 11،مت16:16، يو6: 57،رو14: 11) |
الحياة
(يو11: 25، يو14 :6) |
روح الحياة
(رو8 :2) |
قوة | القوى
(مت6: 13،رؤ18 :8) |
القوة
(1كو1: 24،رؤ5: 12) |
روح القوة
(أش11: 2،مى3: 8، 2تى7:1) |
الفهم | الفهيم
(أى12: 16، إش28: 29) |
الفهم
(أم8: 14) وأيضاً أنظر الرسالة 3: 65 ضد الأريوسية للقديس أثناسيوس |
روح الفهم
(أش11 :2) |
U قال القديس أثناسيوس :
].[1]
{يجب علينا ألا نتصور وجود ثلاثة جواهر منفصلة عن بعضها البعض فى الله -كما ينتج عن الطبيعة البشرية بالنسبة للبشر- لئلا نصير كالوثنيين الذين يملكون عديداً من الآلهة. ولكن كما أن النهر الخارج من الينبوع لا ينفصل عنه، وبالرغم من ذلك فإن هناك بالفعل شيئين مرئيين واسمين. لأن الآب ليس هو الابن، كما أن الابن ليس هو الآب، فالآب هو أب الابن، والابن هو ابن الآب. وكما أن الينبوع ليس هو النهر، والنهر ليس هو الينبوع، ولكن لكليهما نفس الماء الواحد الذى يسرى فى مجرى من الينبوع إلى النهر، وهكذا فإن لاهوت الآب ينتقل فى الابن بلا تدفق أو انقسام. لأن السيد المسيح يقول “خرجت من الآب” وأتيتُ من عند الآب. ولكنه دائماً أبداً مع الآب، وهو فى حضن الآب. وحضن الآب لا يَخْلُ أبداً من الابن بحسب ألوهيته}.
الآب هو الينبوع الذى يتدفق منه بغير انفصال الابن الوحيد بالولادة الأزلية قبل كل الدهور. وكذلك الروح القدس بالانبثاق الأزلى قبل كل الدهور.
الآب هو الحكيم الذى يلد الحكمة ويبثُق روح الحكمة.
والآب هو الحقانى الذى يلد الحق (يو14 :6) ويبثُق روح الحق (يو15 :26).
الحكمة هو لقب لأقنوم الابن المولود من الآب الحكيم.
والحق هو لقب لأقنوم الابن المولود من الآب الحقانى.
والكلمة (اللوغوس LogoV ) أى (العقل منطوقاً به) هو لقب لأقنوم الابن المولود من الآب العاقل.
والخواص الجوهرية جميعاً ومن أمثلتها الحكمة والحق والعقل والحياة.. يشترك فيها الأقانيم معاً فالحق مثلاً هو خاصية يشترك فيها الأقانيم جميعاً. فالآب هو حق من حيث الجوهر، والابن هو حق من حيث الجوهر، والروح القدس هو حق من حيث الجوهر.
أما من حيث الأقنوم فالآب هو الحقانى (أى ينبوع الحق)، والابن هو الحق المولود منه، والروح القدس هو روح الحق المنبثق منه.
من يستطيع أن يفصل الحقانى عن الحق المولود منه؟!
ومن يستطيع أن يفصل الحكيم عن الحكمة ؟.. إن الحكمة تصدر عن الحكيم تلقائياً كإعلان طبيعى عن حقيقته غير المنظورة.
إننا نعرِف الحكيم بالحكمة، ونعرف العاقل بالعقل المنطوق به، ونعرف الحقانى بالحق الصادر منه.. وهكذا.
الابن يُعلن لنا الآب غير المنظور ونرى فيه الآب، والروح القدس يلهمنا بطريقة خفية غير منظورة عن الآب والابن.
الابن دُعى ابناً لأنه “هو صورة الآب” (انظر كو1: 15).
والروح القدس دُعى روحاً لأنه يعمل دون أن نراه ومن ألقابه أنه هو روح الحق وأنه هو المعزّى comforter الذى يريح قلب الإنسان، ويمنحه عطية السلام والمصالحة مع الله.
U وقد أكّد القديس أثناسيوس الرسولى أن الابن له كل خواص الآب الجوهرية، ولا تمايز بينهما إلا بالخاصية الأقنومية؛ وهى أن الآب ينفرد بالأبوة والابن ينفرد بالبنوة. أى أن كل صفات الآب هى للابن ما عدا أن الآب هو آب وأن الابن هو ابن. فقال فى مقالته الثالثة ضد الأريوسية الفقرة رقم 4 ورقم 5 :
[
{ولأن اللاهوت واحد فى الآب والابن، فإنه نشأ عن ذلك بالضرورة أن كل الصفات التى تقال عن الآب قيلت هى بعينها عن الابن، إلا صفة واحدة وهى أن الآب أب.. لأن الابن نفسه يقول عن ذاته (مخاطباً الآب) “كل ما هو لى فهو لك، وما هو لك فهو لى” (يو17: 10).. ثم لماذا تنسب صفات الآب للابن؟ إلا لكون الابن هو نبع من الآب}.
U وقال القديس أثناسيوس أيضاً فى نفس المقالة الفقرة رقم 65 :
.[2]
{إذن، فابن الله هو “الكلمة” و “الحكمة”، هو “الفهم” و”المشورة الحية” وفيه تكمن “مسرة الله الآب”؛ هو “الحق” و “النور” و “القدرة” التى للآب}.
U كذلك القديس غريغوريوس النازينزى (الناطق بالإلهيات) قد أكّد أيضاً أن الآب والابن لهما نفس الصفات جميعاً ماعدا اللامولودية والمولودية وذلك لأن الصفات الإلهية هى واحدة للآب والابن ويتمايزان فقط بالأبوة والبنوة. فقال فى عظته اللاهوتية الخامسة :
[[3]
{ المسيح.. أى من الأشياء العظيمة التى يمكن لله أن يعملها ولا تكون فى استطاعته، وأى من الأسماء تطلق على الله، ولا تطلق عليه، ما عدا “اللامولود والمولود”، لأنه كان من الضرورى أن الخصائص المميزة للآب والابن تظل خاصة بهما، حتى لا يكون هناك اختلاط فى الألوهة، التى تجعل كل الأشياء، وحتى غير المنتظمة، فى ترتيب ونظام حسن}.
U وأيضاً شرح القديس باسيليوس الكبير معنى تمايز الأقانيم مع وحدانية الجوهر كما يلى فقال:
{فى عبادتنا لإله من إله، نحن نعترف بتمايز الأقانيم (الأشخاص)، وفى نفس الوقت نبقى على المونارشية (التوحيد). نحن لا نقطِّع اللاهوت إلى تعدد منقسم، لأن شكلاً واحداً، متحداً فى اللاهوت غير المتغير، يُرى فى الله الآب وفى الله الابن الوحيد. لأن الابن هو فى الآب، والآب فى الابن، لأنه كما الأخير هكذا هو الأول، وكما هو الأول هكذا هو الأخير، وبهذا تكون الوحدة. حتى أنه وفقاً لتمايز الأقانيم (الأشخاص)، فإن كليهما هما واحد وواحد، ووفقاً لوحدة الطبيعة فإنهما واحد. كيف إذن، إن كانا واحد وواحد لا يكون هناك إلهين؟ ذلك لأننا حينما نتكلم عن الملك وصورة الملك لا نتكلم عن ملكين. فالجلالة لم تشق إلى اثنين، ولا المجد انقسم. السيادة والسلطة فوقنا (علينا) هى واحدة، هكذا فإن التمجيد الذى ننسبه إليهما ليس متعدداً بل واحداً، لأن الكرامة المقدمة إلى الصورة تصل إلى النموذج الأصلى (الأصل)}.
][4]
{لأنهم (أى واضعى قانون الإيمان) بعدما قالوا أن الابن هو نور من نور، ومولود من نفس جوهر الآب، ولكن ليس مصنوعاً، أضافوا الهومو أوسيون homoousion (بمعنى “له نفس الجوهر”). وبذلك أظهروا أن أى نسبة من النور ينسبها إنسان إلى الآب سوف يستخدمها أيضاً للابن. لأن النور نفسه فى علاقته بالنور نفسه، وفقاً للمعنى الفعلى للنور، لن يكون فيه أى اختلاف. إذن حيث أن الآب هو نور بلا بداية والابن هو النور المولود، لكن كلٍ منهما هو نور فإنهما نور ونور، فهم محقون فى قولهم “له نفس الجوهر” ليبينوا مساواة الكرامة التى للطبيعة”}.
U أما عن كون الآب هو الينبوع الذى منه تتدفق الحكمة والحياة مثلما يتدفق الحق والقوة والقدرة، فقد شرح القديس أثناسيوس ذلك باستفاضة فى مقالته الأولى ضد الأريوسية شارحاً أن الابن هو الحياة والحكمة المتدفقة من الآب كينبوع والد للابن :
{ إن كان يقال عن الله أنه ينبوع حكمة وحياة كما جاء فى سفر أرميا “تركونى أنا ينبوع الماء الحى” (أر2: 13) وأيضاً “أن عرش المجد ذو المكانة الرفيعة هو موضع مقدسنا أيها الرب رجاء إسرائيل كل الذين يتركونك يخزون والمتمردون عليك فى تراب الأرض يكتبون لأنهم تركوا الرب ينبوع الحياة” (أر17: 12، 13). وقد كتب فى باروخ أنكم قد هجرتم ينبوع الحكمة (باروخ3: 12) وهذا يتضمن أن الحياة والحكمة لم يكونا غريبين عن جوهر الينبوع بل هما خاصة له (خواص له)، ولم يكونا أبداً غير موجودتين، بل كانا دائماً موجودين. والآن فإن الابن هو كل هذه الأشياء وهو الذى يقول “أنا هو الحياة” (يو14: 6) وأيضاً “أنا الحكمة ساكن الفطنة” (أم8: 12) كيف إذاً لا يكون كافراً من يقول “كان وقت ما عندما لم يكن الابن فيه موجوداً لأن هذا مثل الذى يقول تماماً كان هناك وقت كان فيه الينبوع جافاً خالياً من الحياة والحكمة. ولكن مثل هذا الينبوع لا يكون ينبوعاً، لأن الذى لا يلد من ذاته (أى من نبعه الخاص) لا يكون ينبوعاً}. (المقالة الأولى ضد الأريوسية ف6 : 19)
][6]
{ فيما يخص اللاهوت وحده فإن الآب هو أب بصفة مطلقـة والابن هو ابن بصفة مطلقـة، وفى هذين وحدهما فقط يظل الآب أب دائماً والابن ابن دائماً} (المقالة الأولى ضد الأريوسيـة ف21:6).
وينبغى أن نلاحظ أنه طبقاً لتعاليم الآباء فإن الكينونة أو الجوهر ليس قاصراً على الآب وحده (غريغوريوس النزيانزى) لأن الآب له كينونة حقيقية وهو الأصل فى الكينونة بالنسبة للابن والروح القدس، والابن له كينونة حقيقية بالولادة الأزلية، والروح القدس له كينونة حقيقية بالانبثاق الأزلى. ولكن ليس الواحد منهم منفصلاً فى كينونته أو جوهره عن الآخرين.
وكذلك العقل ليس قاصراً على الابن وحده، لأن الآب له صفة العقل والابن له صفة العقل والروح القدس له صفة العقل، لأن هذه الصفة هى من صفات الجوهر الإلهى. وكما قال القديس أثناسيوس {لماذا تكون صفات الآب هى بعينها صفات الابن؟ إلا لكون الابن هو من الآب وحاملاً لذات جوهر الآب}. ولكننا نقول أن الابن هو “الكلمة” أو “العقل المولود” أو “العقل منطوق به” أما مصدر العقل المولود فهو الآب.
وبالنسبة لخاصية الحياة فهى أيضاً ليست قاصرة على الروح القدس وحده، لأن الآب له صفة الحياة والابن له صفة الحياة والروح القدس له صفة الحياة، لأن الحياة هى من صفات الجوهر الإلهى. والسيد المسيح قال “كما أن الآب له حياة فى ذاته كذلك أعطى الابن أيضاً أن تكون له حياة فى ذاته” (يو5: 26). وقيل عن السيد المسيح باعتباره كلمة الله “فيه كانت الحياة” (يو1: 4). ولكن الروح القدس نظراً لأنه هو الذى يمنح الحياة للخليقة لذلك قيل عنه أنه هو ]الرب المحيى[ (قانون الإيمان والقداس الكيرلسى) وكذلك أنه هو ]رازق الحياة[ أو ]معطى الحياة[ (صلاة الساعة الثالثة).
من الخطورة أن ننسب الكينونة إلى الآب وحده، والعقل إلى الابن وحده، والحياة إلى الروح القدس وحده، لأننا فى هذه الحالة نقسّم الجوهر الإلهى الواحد إلى ثلاثة جواهر مختلفة. أو ربما يؤدى الأمر إلى أن ننسب الجوهر إلى الآب وحده (طالما أن له وحدَهُ الكينونة) وبهذا ننفى الجوهر عن الابن والروح القدس أو نلغى كينونتهما، ويتحولان بذلك إلى صفات لأقنوم إلهى وحيد هو أقنوم الآب (وهذه هى هرطقة سابيليوس). وقد أشار القديس غريغوريوس الناطق بالإلهيات إلى هذه المفاهيم فقال [وفكّرت كذلك فى الشمس، والشعاع، والنور. وهذا لا يخلو أيضاً من خطر: يُخشى أولاً تصوّر تركيب ما فى الطبيعة غير المركّبة-كما يكون ذلك فى الشمس وخصائصها، ويُخشى ثانياً أن يُخص الآب وحده بالجوهر فتزول أقنومية الآخريْن، ويكونان قوتين لازمتين لله لا أقنوميْن. فليس الشعاع شمساً وليس النور شمساً، بل فيض شمسى ومزيّة (خاصية أو صفة) جوهرية. وأنه ليُخشى عند التمسك بهذا التشبيه أن يُنعَت الله بالوجود وباللاوجود معاً، وهذا منتهى السخف}.
وهو هنا لا يرفض التشبيه المذكور ولكن يحذّر من الفرق بين التشبيه والأصل فى فهم عقيدة الثالوث [7].
إجابة عن بعض الأسئلة
سؤال (1) : عن الفرق بين الظهور والتجسد
الإجابة : التجسد الإلهى هو اتحاد غير مفترق لطبيعتين مختلفتين فى طبيعة واحدة.
وهو اتحاد أقنومى واتحاد حقيقى واتحاد بحسب الطبيعة.
وهذا لا ينطبق على ظهور الله الابن لإبراهيم أو لأبينا يعقوب لأن فى هذه الظهورات لم يحدث اتحاد بين طبيعتين ولا تجسُّد حقيقى ولا اتحاد أقنومى، ولذلك لا يُسمى تجسداً على الإطلاق بل يُسمى ظهوراً فقط.
· التجسد : يشمل الظهور والتجسد.
· الظهور : لا يشمل الظهور والتجسد بل هو ظهور فقط.
سؤال (2) : عن الثالوث القدوس ودور كل أقنوم فى الخلاص
الإجابة :
- · اشترك الأقانيم الثلاثة فى عملية الفداء.
الآب : بذل ابنه.
الابن : بذل نفسه.
الروح القدس : به قدم الابن المتجسد نفسه كذبيحة. كقول معلمنا بولس الرسول: “الذى بروح أزلى قدّم نفسه لله بلا عيب” (عب9: 14).
- · كذلك فإن الأقانيم اشتركوا معاً فى عملية التجسد الإلهى:
الابن هو الذى تجسّد.
والآب والروح القدس اشتركا مع الابن الكلمة فى تهيئة الجسد الذى اتخذه من العذراء مريم.
فالابن المتجسد عند دخو1له إلى العالم يقول للآب “ذبيحة وقرباناً لم ترد ولكن هيأت لى جسداً. بمحرقات وذبائح للخطية لم تسر. ثم قلت هانذا أجيء فى درج الكتاب مكتوب عنى لأفعل مشيئتك يا الله” (عب10: 5-7).
وقيل عن الجسد أو الناسوت الذى تكوّن فى بطن العذراء واتحد به لاهوت الابن الكلمة منذ اللحظة الأولى للتجسد أن “الذى حبل به فيها هو من الروح القدس” (مت1: 20)، وقال الملاك للعذراء “الروح القدس يحل عليك وقوة العلى تظللك فلذلك أيضاً القدوس المولود منك يدعى ابن الله” (لو1: 35).
لقد تجسد الابن دون أن يتجسد الآب ولا الروح القدس ولكن لم ينفصل عن الآب ولا عن الروح القدس فى تجسده.
وقد ظهر الابن للبشرية بالتجسد، وقال يوحنا الإنجيلى :
“الله لم يره أحد قط الابن الوحيد الذى هو فى حضن الآب هو خبّر” (يو1: 18) .
الآب فى الابن والابن فى الآب. فكيف تجسد الابن دون أن يتجسد الآب ؟
· الفكر مثلاً هو التعبير الصادق عن العقل، وهو صورة العقل غير المنظور. ولذلك فالمسيح باعتباره هو كلمة الله وصورة الله غير المنظور، هو الذى تجسد ورأينا مجده مجداً كما لوحيد من الآب مملوء نعمة وحقاً (يو 1 : 14) وبهذا يكون الله قد كلمنا فى ابنه (عب1: 2).
· وعلى نفس المثال فإن ولادة الفكر من العقل لا تعنى انفصاله عن العقل. فالفكر يولَد من العقل دون أن يخرج منه، ويخرج من العقل دون أن ينفصل عنه. الفكر ممكن يولَد ولا يخرج وممكن يخرج ولا ينفصل.. فقول السيد المسيح “خرجت من عند الآب” (يو16: 28) يقصد أن “الكلمة صار جسداً” (يو1: 14) أى أن “الله ظهر فى الجسد” (1تى3: 16).
سؤال (3) ما معنى اسم يسوع ؟
الإجابة: الله المخلص
قيل عن الرب يسوع المسيح “تدعو اسمه يسوع لأنه يخلص شعبه من خطاياهم” (مت1: 21). ومعنى يسوع = ياه سوع أى يهوه مخلص.
وكتب معلمنا بولس الرسول إلى تلميذه تيطس “بحسب أمر مخلصنا الله، إلى تيطس، الابن الصريح حسب الإيمان المشترك، نعمة ورحمة وسلام من الله الآب، والرب يسوع المسيح مخلصنا” (تى1: 3،4).
وفى كلامه يتضح أن الآب هو مخلصنا “مخلصنا الله”، وأن الابن هو مخلصنا “الرب يسوع المسيح مخلصنا”.
فعمل الثالوث القدوس واحد الآب يعمل بالابن فى الروح القدس. الآب مخلّص والابن مخلّص والروح القدس مخلّص.
فإن كان لكل أقنوم دور متمايز فى العمل الواحد ولكن الأقنوم لا يعمل بدون الآخر مثلما قال السيد المسيح “لأن مهما عمل ذاك فهذا يعمله الابن كذلك” (يو 5: 19). وقال للآب “العمل الذى أعطيتنى لأعمل قد أكملته” (يو17: 4). وقال “الآب الحال فىّ هو يعمل الأعمال” (يو 14: 10). وقال “أنا فى الآب والآب فىّ” (يو14: 10).
كل طاقة أو قدرة أو نعمة إلهية هى ثالوثية من الآب بالابن فى الروح القدس.
كان دور الابن فى الخلاص هو التجسد ولكن الآب هو الذى أرسله متجسداً وهيأ له جسداً بالروح القدس. وحينما قدَّم الابن ذبيحة نفسه على الصليب بالروح القدس تقَّبلها الآب للرضى والسرور. مثلما قال معلمنا بولس الرسول عن المسيح “الذى بروح أزلى قدَّم نفسه لله بلا عيب” (عب9: 14).
فعند الصليب نرى الثلاثة أقانيم معاً.
فلكى يتم الفداء على الصليب كان ينبغى أن يقدِّم الابن ذبيحة للآب بالروح القدس.
وبهذا صنع الآب الفداء بالابن فى الروح القدس.
وفى العماد المقدس يمنح الروح القدس الولادة الجديدة للمؤمن المعمّد ولكن هذه الولادة الجديدة هى عطية من الآب باستحقاق دم ابنه الوحيد يسوع المسيح. أحد الأقانيم الثلاثة يكون دوره هو الواضح ولكنه لا يعمل منفصلاً عن الأقنومين الآخرين كقول السيد المسيح.
سؤال (4): ما تفسير قول السيد المسيح للآب “وهذه هى الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقى وحدك ويسوع المسيح الذى أرسلته” (يو17: 3) ؟
الإجابة : جاء السيد المسيح إلى العالم ليقود العالم إلى التحرر من العبادة الوثنية بعبادة الإله الحقيقى إله إبراهيم. وليعرف العالم أن الإله الخالق هو نفسه الإله المخلّص الذى أحب العالم “حتى بذل ابنه الوحيد لكى لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية” (يو 3: 16).
هناك إذن شرطان للوصول إلى الحياة الأبدية:
الشرط الأول : أن يعرف الإنسان أن يهوه هو الإله الحقيقى وحده بين الآلهة الوثنية.
الشرط الثانى : أن يؤمن بأن يهوه الآب قد أحب العالم حتى أرسل ابنه الوحيد فادياً ومخلصاً للعالم بذبيحة الصليب. وأن يتبع تعليم السيد المسيح المرسل من الآب إلى العالم.
وما يؤكد قصد السيد المسيح بعبارة “أنت الإله الحقيقى وحدك” ما ذكره معلمنا بولس الرسول فى رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس “فمن جهة أكل ما ذبح للأوثان نعلم أن ليس وثن فى العالم، وأن ليس إله آخر إلا واحداً. لأنه وإن وجد ما يُسمّى آلهة، سواء كان فى السماء أو على الأرض، كما يوجد آلهة كثيرون وأرباب كثيرون. لكن لنا إله واحد: الآب الذى منه جميع الأشياء. ونحن له. ورب واحد يسوع المسيح الذى به جميع الأشياء ونحن به” (1كو8: 4-6).
فمن الواضح هنا فى تأكيد عقيدة الإله الواحد أنه يرفض كل الآلهة الأخرى الوثنية المسماه آلهة والتى هى ليست آلهة حقيقية.
وحينما يقال عن الآب أنه هو الإله الحقيقى وحده فالمقصود أنه بجوهره الإلهى يسمو على جميع الآلهة الوثنية الأخرى وينفرد بينها بالألوهة الحقيقية.
ولكن ليس الآب إله بجوهر مستقل والابن إله بجوهر مستقل آخر. بل إن الآب وكلمته هما جوهر واحد ولاهوت واحد وطبيعة واحدة.
الآب أقنوم متمايز عن أقنوم الابن ولكن ليس التمايز فى الجوهر أو الوجود أو الكينونة بل فى حالة الوجود أو حالة الكينونة. فالآب مثل الينبوع والابن مثل التيار المولود منه بغير تقسيم.
فإن كان الآب هو الإله الحقيقى وحده بين الآلهة الوثنية فإن الابن هو “إله حق من إله حق” مثلما نقول فى قانون الإيمان. والآب والابن والروح القدس إله واحد فى الجوهر وإن كانوا ثلاثة أقانيم متساوية فى المجد والكرامة والقدرة والأزلية وكل الصفات الإلهية.
ومن الأمور الملفتة للنظر أن القديس بولس الرسول يقول بصيغة المترادفات “كما يوجد آلهة كثيرون وأرباب كثيرون. لكن لنا إله واحد الآب.. ورب واحد يسوع المسيح” (1كو8: 5-6).
فهو يتحدث عن تعدد الآلهة والأرباب ولكن فى الإيمان المسيحى لا يوجد مثل هذا التعدد فبقو له “لنا رب واحد يسوع المسيح” لم يستبعد الآب من أن يكون رباً. وكذلك بقوله “لنا إله واحد الآب” لم يستبعد يسوع المسيح أن يكون إلهاً، ولكنه يقصد أنه طالما نؤمن بالإله الواحد المثلث الأقانيم فهذا الإله هو الله الواحد والرب الواحد تحقيقاً لقول الكتاب :
- · “اسمع يا إسرائيل الرب إلهنا ربٌ واحد” (تث6: 6).
- · “للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد” (لو4: 8 ، تث6: 13).
فإذا قيلت هذه العبارة “لنا رب واحد يسوع المسيح” فهى عبارة قاطعة تثبت أن يسوع المسيح هو الإله الحقيقى الذى هو مع أبيه والروح القدس جوهر واحد ولاهوت واحد نسجد له ونمجده.
كذلك ورد فى رسالة القديس بولس الرسول إلى أهل أفسس قوله “رب واحد. إيمان واحد. معمودية واحدة. إله وآب واحد للكل، الذى على الكل وبالكل وفى كلكم” (أف4: 5-6).
وفى ذلك يتحقق نفس المعنى المقصود فى القول السابق عن الرب الواحد والإله الواحد.
لقد قال السيد المسيح “أنا والآب واحد” (يو10: 30) بمعنى أنهما إله واحد ورب واحد.
فإن قيل عن الآب أنه إله واحد فالمقصود عدم وجود آلهة أخرى غير الثالوث القدوس، وإن قيل عن الابن أنه رب واحد فالمقصود هو عدم وجود أرباب أخرى غير الآب والكلمة والروح القدس الذين هم واحد.
تعليم القديس إغريغوريوس النزيانزى
عن
الثالوث الأقدس[8]
يُلقَّب القديس إغريغوريوس النزيانزى دوماً فى كنيستنا القبطية بلقب “الناطق بالإلهيات”. وتتمتع الليتورجية التى كتبها بشعبية كبيرة ويُصلّى بها فى أيام الأعياد الكبيرة وكثير من المناسبات. ويُتقبّل تعليمه اللاهوتى عن الثالوث فى حياة كنيستنا باحترام كبير من خلال ليتورجيته وتعاليمه الأخرى.
وقد برزت ليتورجيته فى حياة كنيستنا القبطية الأرثوذكسية كمصدر لا يضارع للتأمل والفرح الروحى فى العبادة.
إن تعليمه عن الثالوث الأقدس هو أساساً نفس تعليم القديس أثناسيوس السكندرى.
وفيما يلى بعض عناصر تعليمه عن الثالوث الأقدس :
(1) إن الله غير مُدرَك بعقولنا البشرية :
كان القديس إغريغوريوس لاهوتيا متضعاً. وقد أقر بأنه {لا يوجد الإنسان الذى اكتشف أو يستطيع أن يكتشف من هو الله فى الطبيعة أو الكنه}.
.][9]
وأيضاً :
[
{كان يمكن أن يحاط الله بالكلية لو كان فى الإمكان حتى أن يدرك بالفكر لأن الإدراك هو صورة من صور الإحاطة}.
وشرح قائلاً إن معرفتنا لله هى فيض قليل فقال :
[][10]
{كل ما يصل إلينا ما هو إلا فيض ضئيل من نور عظيم. حتى إن كان أحدٌ قد عرف الله أو نال شهادة الكتاب المقدس عن معرفته لله، فلنفهم : إن مثل هذا الشخص قد نال درجة من المعرفة تجعله يبدو أكثر استنارة عن الآخر الذى لم يحظَ بنفس القدر من التنوير}.
ولكن القديس إغريغوريوس كان يتحدث عن معرفة أكثر وضوحاً عن الله فى الحياة الأخرى.
(2) الصفات الأقنومية للأقانيم الثلاثة المتمايزة للثالوث الأقدس :
حدد القديس إغريغوريوس فى تعليمه الصفات المتمايزة للأشخاص الثلاثة فى الثالوث الأقدس. وعلَّم قائلاً :
][11]
{دعنا نلتزم بحدودنا ونتكلم عن “غير المولود” و”المولود” و”ذاك الذى ينبثق من الآب” كما قال الله الكلمة نفسه فى أحد المواضع}.
وعلَّم أيضاً :
[][12]
{هذا هو ما نقصده من “الآب” و”الابن” و”الروح القدس”. الآب هو الوالد والباثق، بلا ألم طبعاً وبلا إشارة للزمن، وليس بطريقة حِسّية. والابن هو المولود، والروح القدس هو المنبثق}.
ولم يتكلم القديس إغريغوريوس عن أى خاصية متمايزة أخرى.
(3) أزلية الابن والروح القدس :
واستطرد القديس إغريغوريوس محاجاً فى نفس العظة (الثالثة) :
[][13]
{“متى جاء هذان إلى الوجود؟” “إنهما فوق كل “متى” بل إذا تكلمت بأكثر اجتراء لأقول ومتى نجد الآب. متى جاء الآب إلى الوجود؟ لم يكن أبداً وقت لم يكن فيه الآب. ونفس الشئ صحيح بالنسبة للابن وللروح القدس. ولتسألنى مرة تلو المرة، أجيبك. متى ولد الابن؟ حينما لم يولد الآب، متى انبثق الروح القدس؟ حينما لم ينبثق الابن بل ولد -خارج دائرة الزمن وفوق قبضة (استيعاب) المنطق. هذا وبالرغم من أننا لا نستطيع أن نقدم ما هو الذى فوق الزمن إذا كنا نود أن نتحاشى التعبيرات التى تتضمن فكرة الزمن. لأن تعبيرات مثل “متى” و”قبل” و”بعد” و”من البدء” ليست خالية من معنى الزمن مهما على أى حال طوعناها إلا طبعاً إذا اعتبرنا الدهر أنه تلك الفترة التى تتزامن مع الأشياء الأزلية ولا تُقَسَّم أو تقاس بأى حركة ولا بدوران الشمس كما يقاس الزمن. لماذا إذاً ليسا بالمثل غير منبوعين ماداما أيضاً أزليين؟ لأنهما منه وإن كانا ليسا لاحقين له. لأن غير المنبوع أزلى ولكن الأزلى ليس بالضرورة غير منبوع مادام يُنسب إلى الآب كأصل له. لذلك فبالنسبة للسبب هما ليسا غير منبوعين مادمنا ننسب إلى الآب أنه مصدرهما. ومن الواضح أن السبب ليس بالضرورة سابق لآثاره فالشمس ليست سابقة لضوئها. إلا أنهما بمعنى ما بلا مبتدأ من ناحية الزمن (أى لا بداية زمنية لوجودهما)، حتى وإن كنت تُرعِبْ بسطاء العقول بمراوغاتك لأن مصادر الزمن لا يمكن أن تكون موضوعاً للزمن}.
وإلى جانب استعماله مثال الشمس والنور استعمل أيضاً مثال العقل والكلمة لشرح العلاقة بين الآب والابن:
[He is called the Word, because He is related to the Father as the Word to Mind][14]
{لقد دُعى “الكلمة” لأنه يُنسَب إلى الآب كما تنسب الكلمة إلى العقل}.
ومن البَيِّن فى هذا المثال أيضاً أن العقل ليس سابقاً للكلمة كما أن الشمس ليست سابقة للنور.
(4) استعمال النماذج والأمثلة لشرح الثالوث الأقدس :
على الرغم من استعماله مثال الشمس والضوء والعقل والكلمة فى شرح العلاقة بين الآب والابن إلا أنه حذّر من أن هذه النماذج ليست متطابقة مع الحق كله الذى لله المثلث :
{لقد تدارست هذا الأمر فى عقلى الخاص بتدقيق وقلبت الأمر من كل الجهات ومن جميع وجهات النظر لأجد بعض النماذح الموضِّحة لهذا الأمر الهام. ولكننى لم أجد شيئاً على هذه الأرض يصلح للمقارنة بطبيعة اللاهوت. لأنه حتى إن وجدت بعض التشابه الطفيف فإن الأكثر يهرب منى ويتركنى فى الأسافل مع نموذجى.
لقد تصورت عيناً، وينبوعاً، ونهراً، وهكذا فعل غيرى من قبل، لأرى هل يتماثل الأول مع الآب والثانى مع الابن والثالث مع الروح القدس لأن فى هذه لا فرق هناك زمنياً ولا ينفصلون عن بعضهم البعض وإن كانوا يتمايزون فى ثلاثة شخوص. ولكنى خفت أولاً أن أجعل فى اللاهوت سرياناً لا يمكن أن يتوقف. وفى المقام الثانى فإن بهذا النموذج نُدخِل وحدة رقمية لأن كلاً من العين والنبع والنهر هم عددياً واحد وإن اختلفت الأشكال.
وفكرت ثانياً فى الشمس والشعاع والضوء ولكن هنا أيضاً خفت أن يدخل فى روع الناس فكرة التركيب وينسبوها إلى الغير مُركَّب. ومن ناحية أخرى لئلا ننسب الجوهر للآب وننكره على الشخصين الآخرين ونجعلهما مجرد قوتين إلهيين وليسا شخصين. لأنه ليس الشعاع ولا الضوء شمساً ولكنهما مجرد فيضاً من الشمس وصفات لجوهرها.
وأخيراً وحسب هذا النموذج ننسب لله الوجود وعدم الوجود فى آن واحد وهذا أكثر رعباً}.
(5) الأقانيم الثلاثة لهم ذات الجوهر الواحد :
تكلم القديس إغريغوريوس مراراً كثيرة عن أن الأقانيم الثلاثة لهم ذات الجوهر الواحد. وفى حديثه عن الله المثلث كسيد واحد لخليقته كان يقول :
{ إن أحادية الأصل هى ما نحفظه بتكريم. إنها مع ذلك أحادية الأصل (من جهة الثالوث بالنسبة للخليقة) غير المقصورة على أقنوم واحد بعينه. بل إنها ناشئة من تساوى الطبائع ووحدة الفكر وتطابق المشيئة والتئام المكونات نحو الوحدة -وهى ما تعجز الطبائع المخلوقة أن تصله. حتى أنه رغم التعددية فليس هناك أبداً انقسام فى الجوهر}.
وفى تعليمه عن الابن قال :
][17]
{ فى رأيى إنه يدعى “ابن” لأنه يطابق الآب فى الجوهر وليس لهذا السبب فحسب بل وأيضاً لأنه منه وكان يسمى الابن الوحيد ليس لأنه كان الابن الوحيد للآب. بل لأن بنوته كانت خاصة بشخصه ولا يقاسمه فيها أى جسد. وكان يسمى الكلمة لأنه يُنسَب إلى الآب كما تنسب الكلمة إلى العقل ليس فقط للإخبار عن ولادته التى بغير ألم بل أيضاً من أجل الوحدة ومن أجل وظيفته الإخبارية (الإعلانية)}.
واستمر القديس إغريغوريوس فى نفس العظة يقول :
{والصورة هى من نفس جوهره}. [And the Image as of one Substance with Him.][18]
(6) المساواة بين الأقانيم الثلاثة :
يقول القديس إغريغوريوس فى عظته اللاهوتية عن الروح القدس ضد الأريوسيين والأنوميين:
{ماذا يقولون إذن؟ هل يوجد نقص ما فى الروح يمنعه أن يكون ابناً؟ لأنه إن لم يكن هناك نقص ما لكان ابناً؟ نحن نؤكد أن ليس ثمة نقص لأن فى الله لا يوجد أى نقص. ولكن اختلاف التعبير، إذا استطعت أن أعبر عن نفسى هكذا، أو بالأحرى تبادل العلاقات بينهم أدى إلى اختلاف أسمائهم. وبالتأكيد ليس نقص ما هو ما يمنع الابن أن يكون الآب (لأن البنوة ليست نقصاً) ومع ذلك ليس هو الآب. وحسب هذا الخط من الجدال فلابد أن يكون هناك نقص ما فى الآب لأنه ليس الابن لأن الآب ليس الابن، ومع هذا فليس ذلك لأجل نقص ما أو خضوع فى الكينونة، بل لأجل هذه الحقيقة بعينها عن كونه: غير مولود أو مولود أو منبثق هو الذى أعطى الاسم الآب للأول والابن للثانى والروح القدس للثالث الذى نحن نتكلم بصدده فالتمايز بين الثلاثة شخوص محفوظ فى الطبيعة الواحدة ومجد اللاهوت. ليس الابن “الآب” لأن الآب واحد مع أن له ما للآب، وليس الروح القدس ابناً لأن الابن واحد مع أن الروح من الله؛ وله ما للابن. الثلاثة فى الله الواحد والله الواحد ثلاثة فى الخصائص (*). حتى لا تكون الوحدة سابيلية ولا التثليث له الوجه القبيح (الذى للأريوسيين والأنوميين).
(7) الاشتراك فى نفس الصفات التى للجوهر :
كان القديس إغريغوريوس واضحاً جداً تماماً كما كان القديس أثناسيوس فى تعليمه أن الأقانيم الثلاثة لا يختلفون فيما بينهم إلا فى الصفات الأقنومية. إن الآب هو الأصل والابن مولود والروح القدس منبثق من الآب. (ولكنهم) يشتركون معاً فى جميع الصفات الأخرى للجوهر الإلهى. قال :
{ فإننا تعلمنا أن نؤمن ونُعلِّم عن ألوهية الابن من الكلمات السابقة العظيمة التى نطقوا بها وأى كلمات هذه؟ إن الله الكلمة كان فى البدء ومع البدء وكان هو البدء “فى البدء كان الكلمة، وكان الكلمة عند الله، وكان الكلمة الله” (يو1:1) و”معك كان البدء” “وهو الذى دعاها البداءة من أجيال” (أش41: 4). لهذا فإن الابن هو الابن الوحيد “الابن الوحيد الكائن فى حضن الآب هو خبَّر” (يو1: 18). الطريق والحق والحياة والنور “أنا هو الطريق والحق والحياة” “أنا هو نور العالم” الحكمة والقوة “المسيح حكمة الله وقوة الله” الفيض والرسم والختم “الذى هو بهاء مجده ورسم جوهره” * و”صورة صلاحه” و”الذى ختمه الله الآب”. الرب والملك والقادر على كل شئ “أنزل الرب ناراً من السماء” و”صولجان حقه هو صولجان ملكه” و”الكائن الذى كان والآتى أيضاً والقادر على كل شئ”. كلها قد قيلت بوضوح عن الابن مع كل القطع الأخرى التى بنفس القوة قيلت. لم يُضَفْ أى منها فيما بعد إلى الابن أو الروح القدس ولا كان أى منها فكراً لاحقاً ولا عن الآب نفسه. لأن كمالهم لم يتأثر بالإضافات. لم يوجد وقت أبداً لم يكن فيه بدون الكلمة أو متى لم يكن الآب أو متى لم يكن الحق أو غير حكيم أو غير قوى أو خالٍ من الحياة أو السؤدد أو الصلاح}.
فى هذه العظة اللاهوتية الثالثة شرح القديس إغريغوريوس وحدة الجوهر بين الابن والآب وخَلُص إلى قوله :
][21]
{إن الابن هو نموذح توضيحى مُركّز وتقديمه مُيَسّر لطبيعة الآب. لأن كل ما هو مولود هو كلمة صامتة لذلك الذى ولده.. “هو.. يدعى.. صورته لأنه من نفس جوهره ولأن الابن هو من الآب وليس الآب من الابن. لأن هذه هى طبيعة الصورة أن تكون نسخة من الأصل الذى تحمل اسمه وفى حالتنا هذه ما هو أكثر. لأن كل صورة هى إيماءة أقل تمثيلاً من التى أومئت بها ولكن فى حالتنا هذه هى نسخة حيَّة من (كائن) حى بل وأكثر شبهاً من شيث إلى آدم أو أى ابن إلى أبيه، لأن هكذا هى طبيعة الوجود لأنه ليس من الصواب أن نقول أنه يتشابه فى جزئية ولا يتشابه فى جزئية أخرى، ولكن هنا التماثل كامل ويجدر أن يقال عنه أنه تطابق بدلاً من تشابه.
وبالأكثر من ذلك فهو يُدعَى النور حيث ينير النفوس ويطهرها بالكلمة والحياة لأنه إذا كان الجهل والخطية هى الظلام، والمعرفة والحياة حسب الله هو النور.
ويسمى الحياة لأنه هو النور وهو المنشئ والقوة الخالقة لكل نفس عاقلة. لأن فيه نوجد ونحيا ونتحرك، حسب القوة المزدوجة التى للنسمة التى نُفِخَت فينا. لأننا جميعاً قد ألهمنا بالنفخة وكثير منا كانوا قادرين على ذلك وللآب نفتح أفواه عقولنا مع الله الروح القدس}.
(8) الروح القدس ينبثق من الآب وحده :
ميَّز القديس إغريغوريوس تميزاً واضحاً بين ولادة الابن وانبثاق الروح القدس. وفى تعليمه لا يوجد خلط بين الصفات المميزة للأقانيم فى الثالوث الأقدس.
وبعد أن تكلم عن الاسم الخاص بالجوهر الإلهى “أهيه الذى أهيه” وبعد ذِكْر الأسماء الأخرى للاهوت مثل “الكلى القدرة” “ملك المجد” “ملك الدهور” “ملك القوات” “ملك الملوك” قرر أن:
.][22]
{هذه هى الأسماء العامة للاهوت ولكن الاسم المناسب لغير المنبوع هو الآب وللمولود بلا بداية هو الابن وللمنبثق غير المولود الروح القدس}.
من الواضح أن الروح القدس منبثق دون ولادة ولا علاقة له بالابن فى انبثاقه من الآب.
(9) أحادية الأصل الأبوى فى الثالوث الأقدس :
أكّد القديس إغريغوريوس مراراً كثيرة على أحادية الأصل الأبوى كالأصل الوحيد للثالوث الأقدس patriki-archy patrikhv-aJrchv الآب هو الوحيد غير المنبوع (unoriginated).
{لماذا إذاً ليسا بالمثل غير منبوعين ماداما أيضاً أزليين؟ لأنهما منه وإن كانا ليسا لاحقين له. لأن غير المنبوع أزلى ولكن الأزلى ليس بالضرورة غير منبوع مادمنا نشير إلى الآب كأصل لهما.
لذلك فبالنسبة للسبب هما ليسا غير منبوعين. ولكن من البيِّن أن السبب ليس بالضرورة سابق لنتيجته كالشمس مثلاً ليست سابقة لنورها}.
وقد علَّم القديس إغريغوريوس أيضاً بوضوح أن :
{الآب هو الوالد والباثق}. [ The Father is the Begetter and the Emitter.][24]
(10) العطايا الإلهية هى من الآب من خلال الابن فى الروح القدس :
فى عظته عن عطايا الله بالروح القدس يقول القديس إغريغوريوس :
“إنه هو (الروح القدس) العطية، والهبة، والإلهام، والوعد، والشفيع لنا، وبدون الدخول فى تفاصيل أكثر، فإن أى عبارات أخرى من هذا النوع، تُنسَب إلى السبب الأول (يقصد الآب) حتى يظهر (يتضح) ممن هو (الروح القدس)، وحتى لا يعترف الناس بثلاثة مصادر (يقصد ثلاث آلهة مستقلة) على الطريقة الوثنية. لأن الخلط بين الأقانيم (الأشخاص) مع السابيليين (أتباع سابيليوس) يتساوى فى عدم التقوى مع تقسيم الطبائع مع الأريوسيين.”
التعبير “السبب الأول” الذى ذكره القديس إغريغوريوس فى هذا القطعة يشير إلى أن عطايا الله تنبع من الآب وتعطى بالابن فى الروح. وفى عظته اللاهوتية عن الابن تكلم القديس إغريغوريوس عن القوة المزدوجة للنفخة فى الابن. وهو يقصد بالقوة المزدوجة للنفخ أن العطايا الآتية إلينا من الآب وتعطى لنا بالروح من خلال الابن.
][26]
{“لأن فيه نحيا ونتحرك ونوجد” حسب القوة المزدوجة فى النفخة فينا، لأننا جميعاً نُلهَم بالنفخة، وكثيرون منا قادرون على ذلك وإلى الآن نفتح أفواه عقولنا لله والروح القدس}.
1 P. Schaff & H. Wace, N. & P.N. Fathers, series 2, Vol. IV, Eerdmans Pub. Company, Sep. 1978, St. Athanasius, Expositio Fidei (Statement of Faith) P. 84,85.
4 P. Schaff & H. Wace, N. & P.N. Fathers, series 2, Vol. VII, Eerdmans Pub. Company, Sept. 1978, Gregory Nazianzen, Fifth Oration on the Holy Spirit P.327.
6 ibid, Letter 52, to the Canonicoe, p.155,156
7 P. Schaff & H. Wace, N. & P.N. Fathers, series 2, Vol. IV, Eerdmans Pub. Company, Sept. 1978, St. Athanasius, Four Discourses Against the Arians- Discourse I, point 19.
9 P. Schaff & H. Wace, N. & P.N. Fathers, series 2, Vol. VII, Eerdmans Pub. Company, Sept. 1978, Gregory Nazianzen , Fifth Oration on the Holy Spirit p..328
[8] ترجمة عربية لمحاضرة نيافة الحبر الجليل نيافة الأنبا بيشوى التى ألقيت فى المؤتمر الثانى للدراسات الآبائية بالاشتراك مع جامعات أثينا وتسالونيكى المنعقد تحت رعاية البابا المعظم الأنبا شنودة الثالث فى دير القديس الأنبا بيشوى بوادى النطرون فى الفترة من 26/12/1996 إلى 29/12/1996م
[9] Phillip Schaff & Henry Wace, Nicene & Post Nicene Fathers, Vol.VII, Second Series. Hendrickson Publishers June 1995, Article XVII Second Theological Oration. P.294
[10] Ibid, 2nd Theological Oration, Article XVII, p.294.
[11] Ibid, 3rd Theological Oration, Article II P.301
[12] Ibid, 3rd Theological Oration (on the Son), Article II, p.301
[13] Ibid, 3rd Theological Oration, Article III, pp.301,302
[14] Ibid, Forth Theological Oration, Article XX, p. 316
[15] Ibid, 5th Theological Oration (on the Holy Spirit), Articles XXXI and XXXII, p.328.
[16] Ibid, 3rd Theological Oration (on the Son), Article II, p.301.
[17] Ibid, 4th Theological Oration , Article XX, p.316.
[18] Ibid p.317
[19] Ibid, 5th Theological Oration (on the Holy Spirit), Article IX, p.320.
* لقد حذر القديس إغريغوريوس كما ذكرت فى النقطة الرابعة لئلا نخص الآب وحده بالجوهر ونعتبر الابن والروح القدس مجرد صفات للجوهر وليست أقانيم حقيقية وعلى ذلك فلكل أقنوم صفته الأقنومية الخاصة ولكنه ليس مجرد صفة للجوهر.
52 Ibid, 3rd Theological Oration, Article XVII, p. 307
* التعبير فى الرسالة إلى العبرانيين (عب1: 3) باللغة اليونانية uJpostavsewV (هيبوستاسيوس) وهذه يمكن ترجمتها “أقنوم” بدلاً من “جوهر”. فتصير “رسم أقنومه”.
[21] Ibid, 4th Theological Oration (2nd on the Son), Article XX, pp.316,317.
[22] Ibid, 4th Theological Oration (2nd on the Son), Articles XIX, p.316.
[23] Ibid, 3rd Theological Oration (on the Son), Article III, p.302.
[24] Ibid, 3rd Theological Oration (on the Son), Article II, p.301.
[25] Ibid, 5th Theological Oration (on the Holy Spirit), Article XXX, p.328.
[26] Ibid, 4th Theological Oration (2nd on the Son), Article XX, p.317.
ما هو الأقنوم؟