الصوم هو عودة الى نقطة الانطلاق
لقد دنا ذلك اليوم ,يوم الدينونة العظيم ,فلنحرص ايها الاخوة ان لا نتعثر باشياء تافهة بمقدورها ان تحول حياتنا الى جحيم لاننا في حياتنا اليومية ننسج بايدينا خيوط شباك الخطيئة التي عاجلا ام آجلا سوف نقع فيها 0مثلما وقع فيها الانسان الاول عندما طُلِب منه عدم تذوق الطعام، ومن هذه النقطة سقط الجنس البشري. لذلك فان اولئك الذين يجاهدون اليوم من اجل خوف الله يجب ان يبدأوا البناء من حيث كانت الضربة0 الأولى
حينما اظهر يسوع المسيح ذاته للعالم عند نهر الاردن ابتدأ من هذه النقطة0 عندما اعتمد قاده الروح الى البرية مباشرة فصام اربعين يوما واربعين ليلة0وكل الذين يريدون ان يتبعوا خطواته يجب ان يضعوا اساس جهادهم على نموذج عمله0
هذا السلاح ( الصوم ) قد صقله الله فمن ذا الذي يجترئ على احتقاره ؟
ان كان معطي الناموس قد صام بنفسه فكيف لا نصوم نحن الذين وضع الناموس من اجلنا0 لهذا شاء الله ان يكون الانسان في حاجة للصوم ليس كي يبقى اسير هذا الصوم انما كي يبدأ من هذا الصوم مسيرة متصاعدة ومتدرجة حتى يبلغ الملء في الله0
ان غاية الصوم في نظر المؤمن هي حاجته لله، ولا بد للصوم ان يقوده الى الشعور بالمحدودية والمخلوقية 0وان لم يكتشف المؤمن هذه الحقيقة عبثا يصوم وعبثا يجاهد0 والصوم ايضا هو اكتشاف ان الله مطلق لانه خالق واذا لم يتعرف المؤمن على الله من خلال الصوم يكون صومه باطلا لان في الصوم تولد علاقة حميمية بين الخالق والمخلوق وهذا هو الاطار الذي نرى الله من خلاله متكلما ومتحدثا عن نفسه وعن محبته لنا وعن مشروعه الخلاصي0
الصوم هو الرجوع الى الذات وما احلى وما اجمل تطهير قلوبنا من كل ضغينة لانه يجب ان نتعامل مع كل الناس وبالذات مع انفسنا من مبدأ ينبثق من المحبة المسيحية التي هي استحالة ان نرى من خلال اي شخص فرصة لاستغلاله لغرض ما يكمن في داخل انفسنا بل ليكون بداية لرفقة ابدية مع هذا الشخص التي هي رفقة مع الله نفسه0 أليس هذا بعظيم من ان يتم لقاؤنا مع الرب عن طريق شخص ما ؟فكيف اذا في الصوم ؟ أليس هو نفسه جنة الله المفتوحة للانسان ؟ نعم انه فرصتنا الذهبية للعودة من جديد لان نطهر انفسنا، هذا مع العلم ان كل يوم نعيش فيه هو يوم توبة وعودة الى النفس0
هذا هو الصوم حقيقة: انه عودة الى اعماقنا فكلما تذكرنا كل اثم فعلناه وكل ذنب اقترفناه وكل قول تفوهنا به نتضع لنفكر بذواتنا ونطهرها من الدنس وننقذها من نار جهنم فنعد انفسنا والله ايضا وايضا ومن جديد بعدم اقتراف الخطايا من خلال اخوتنا0
وبهذا انتصارنا على الخطيئة واعادة بناء ما هدمته تلك الخطايا، لذا يتجدد الامل فينا بان ننال حياة ابدية. على هذا الاساس ندرك عظمة المحبة المسيحية التي هي انتصار دائم على الخطيئة واعلان ملكوت الله، لاتها تتغلب وتتجاوز جميع الحدود وجميع ظروف هذا العالم التي محركها وغايتها هو الله. ونحن نعلم انه حتى في هذا العالم القابع في الشر فإن الانتصارات الدائمة والمثيرة للفرح هي انتصارات المحبة التي هي رسالة الكنيسة الحقيقية: ان نتذكر الانسان بهذه المحبة الشخصية ليملأ بها هذا العالم. وهذا هو هدف الصوم الذي يرسخ فينا فكرة الانكفاء على العالم وحب الآخرين والجد في طلب رضى الله وملكوته وبره
لابد من الاشارة من ان الصوم المسيحي لا يرمي الى اذلال الجسد فهو ليس ابقوريا في طابعه ومعناه0 في الصوم نحن لا نقتل الجسد ولا نذله0 الجوع ليس غاية في حد ذاته. نحن لا نصوم كي نجوع. الجوع هو عنصر من عناصر الصوم، وكمسيحيين، لاغنى لنا عن اختبار الجوع كي نأتي الى قوة الله وعظمته كخالق في حياتنا0وبناءا عليه فالجوع الصيامي سيكشف لنا طبيعتنا البشرية، وهذا الجوع بعينه هو حافزنا الى ادراك قوة المسيح :”بدوني لا تقدرون ان تعملوا شيئا ” (يوحنا 15:5). فاننا قي الصوم لابد من ان نتذكر ان الانسان هو هيكل للروح القدس0
ولكن المسيحية المعاصرة، مع الاسف الشديد، قد خفضت من اهمية الجوع ومكانته في الصيام فكان بنتيجة ذلك ان تحولت الاصوام الى مجرد انقطاع عن الطعام لساعات وايام قليلة فقط قبل ان تنتهي
مدة الصوم المعين؛ وما عرفته كنيستنا المسيحية المشرقية قبلا نراه اليوم متاثرا بالعدوى التي وصلتنا من الغرب
اخيرا الصوم ضرورة وليس عقيدة0 نحن نصوم لان ربنا صام ليعلمنا ذلك 0صوم الرب لم يكن من اجله بل من اجلنا، والصوم هو عودة الى نقطة البداية، بداية حياة جديدة مع الله فنكمل بذلك ما ارسلنا من اجله في هذا العالم الصاخب0