لذلك الافخارستيّا هي ذبيحة سلام وشكر، حيث تبدأ الكنيسة صلواتها في الليتورجيا بطلبات سلامية, فتطلب السلام الذي ينحدر من الله ليضم النفس التائبة إليه ليعيد إليها صداقته وألفته. وتتضرع من أجل سلام العالم وثبات كنائس الله وتشمل بصلواتها الأحياء والأموات والكون بأسره للمصالحة مع الله بيسوع المسيح المقرب من أجلنا. إنها بداية الطريق إلى الملكوت، صلوات مشتركة ترنم بفرح قيامة المسيح وانتصاره على الموت.
إنها ذبيحة سلام تعيد المصالحة بين الإنسان والله بيسوع المسيح, وتقدمة شكر للرب بمعنى إنها شهادة لسيادة الله على الخليقة بأسرها.
ويدخل المؤمن في سلام الرب دخول الابن المطمئن في حضرة أبيه, انه سكون الرب الآتي مع تسبيح الشيروبيم: "قدوس, قدوس, قدوس, رب الصباؤت, السماء والأرض مملوءتان من مجدك العظيم".. إنه الصحو المقدس, حالة السلام النابعة من القلب أمام الله, فيه تكتشف النفس في هدوئها وشفافيتها صوت الصمت الداخلي على عتبة الفردوس المستعاد, حيث يسمع صوت الرب ماشيا عند هبوب ريح النهار.
"حيث اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي فهناك أكون في وسطهم" (متى 18 :20). إن حضور المسيح في الافخارستيا ليس مجرد ذكرى, انه استقبال الرب الآتي, حضور الله الغير منظور وغير المدرك الذي كان منذ البدء والذي صار جسدا. الكتاب المقدس هو صورة للتجسد فهو يجسّد الكلمة، وتجسّد الكلمة يحول المستمعين المشاركين إلى كلمة الله، إلى افخارستيا.
الشعب المجتمع في جسد المسيح يجتمع في المكان الذي يعلن فيه الله كلمته ويفسرها. قراءة الكلمة هي ليتورجيا بحد ذاتها لأنها تقود إلى معاينة الكلمة المتجسد والتحدث إليه ومجالسته في عشاء الرب.
"تكلم يا رب فان عبدك يسمع".. سماع الإنجيل هو احتكاك شخصي بالرب يسوع, يلتقي به المؤمن ليتشدد ويتهيأ لسكنى الرب فيه, وهو ليس مجرّد لقاء ألفة وإنما يلقي بالمؤمن في تيار التجسد المتدفق ليهب الحياة للعالم. ويشهد الروح القدس للكلمة شهادة حية, اذ يفتح ذهن الشعب لكي يفهم الكتب بسماع الوعظ، وهو ليس مجرد تفسير للانجيل، بل ليعيش ما عاشه تلميذا عماوس: "ألم تكن قلوبنا ملتهبة فينا اذ كان يكلمنا في الطريق ويوضح لنا الكتب" ( لو24:32. (