اقسام القداس الالهي (الافخارستيا)
القسم الاول
التقدمة proskomedia))
احدى اهم التقاليد الارثوذكسية الاصيلة ان يحمل المؤمن القربان (الخبز) الى هيكل الرب ليقدمه الكاهن على المذبح ويذكر الاحياء والاموات المختصين به. ان تقديم القرابين لكي تقام بها الذبيحية الالهية امر جوهري واساسي في الكنيسة ،انها تقدمة الشكر لله على ما اعطانا .
اذا عبر القرابين نقدم انفسنا لله كما نقدم كل حياتنا والعالم الذي نعيش فيه. بهذه الطقوس نحن نقدم اقدم الطقوس البدائية البشرية . كان الانسان قديما منذ الخلق كان يشعر بضرورة تقديم افضل ما لديه لله ليشكره على كل ما اعطاه .
يتطلع البعض الى تقديم القرابين من خبز وخمر كأمر مادي لازم لاتمام الطقس الافخارستي ،لكن الحقيقة ان تقديم القرابين ليس بالعمل التمهيدي للفعل الافخرستي،بل جزء من صلبه متكامل مع الاجزاء الاخرى.منذ قبل نهاية القرن الاول المسيحي،كان يتم "تقديم القرابين" لهله معناه،بدونه نفقد الافخارستيا كمال معناها الاولي بل ينتزع عنها معناها تماما.
نسطيع ان نرسم صورة لبعض لملامح " تقدمة القرابين" في الكنيسة الاولى في النقاط التالية:
1- في بدء القرن الثالث يحدثنا هيبوليتس عن احضار القرابين من خبز وخمر الى الكنيسة حيث يضع الاسقف مع كهنته أياديهم عليها ،مصلين عليها،" الافخارستيا" أما القرابين الأخرى مثل الزيت والجبن والزيتون الخ … فكانت تقدم بعد الافخارستيا.
2- "احضار القرابين" أمر الزامي بالنسبة لكل المؤمنين،ليس فقط الشعب بل الكهنة ايضا،وحتى الفقراء الذين تعولهم الكنيسة يشتركون في تقديم "برسفورا".مثل ارسل القديس كبريانوس الى سيدة غنية يوبخها لانها تحصر عند بغير تقدمه،وفي نفس الوقت تشترك في النقدمة التي احضرها الفقراء.
وفي التقليد الرسولي يوصي الذين سينالون سر العمودية والميرون ان يحضروا معهم " برسفورا" تقدم في ليتورجيا عيد القيامة التي تقام في نصف الليل بعد عمادهم.
لذلك فالتقدمة في جوهرها عمل حب ،فيه دم المسيح ذاته بالتمام تقدمة لله ابيه لحسابنا،ونحن اذ التصقنا به كجسد له يليق بنا ان نقدم " نفوسنا" بتمامها للرب لسم المسيح.بمعنىآخر،ان تقدمة القرابين تحمل اعلان الكنيسة قبولها صليب عريسها،الذي هو سلم السماء،قبولا عمليا. فلا تقدم له خبزا وخمرا او مالا فحسب،انما اعمالنا وافراحنا واحزاننا وجهادنا ،يليق بنا ان نأتي بهذا كله الى المذبح لكي نقدم قلوبنا في الصينية وحياتنا في الكأس ، هذا هو مفهومنا للتقدمة، اننا نقدم حياتنا لله في يسوع المسيحالذبيح،لا بسفك الدم،بل بتقديم كل هذه الامور السابق ذكرها بكزنها حصيلة حياتنا اليومية.
التقدمة هي دخول الكنيسة مع المسيح في الامه .. آلام الحب العملي الباذل ووكما يقول القديس بولس الالهي :" ليس اني اطلب العطية بل اطلب الثمر المتكاثر لحسابكم .. قد امتلأت اذ قبلت من ابفرودتس الاشياء التي من عندكم نسيم رائحة طيبة ذبيحة مقبولة مرضية عند الله" ( فيلبي4: 17 – 19) .
هذه مشاعر كل انسان ارتبط بمذبح الله وعرف اتحاده بالمسيح الذبيح.. انه يقدم قربانا لله في يسوع المسيح.حين قدم اغناطيوس للاستشهاد ارسل الى اهل رومية يقول لهم :
"اطلب اليكم ألاتظهروا اي عطفا في غير أوانه،
بل اسمحوا لي ان اكون طعاما للوحوش الضارية،
التي بواسطتها يوهب الى البلوغ الى الله.
اني خبز الله،
اتركوني أطحن بأنياب الوحوش…
توسلوا الى المسيح من اجلي حتى اعود بهذه الطريقة لاكون ذبيحة الله…"(رومية:4)
التقدمة proskomedia)) كلمة يونانية تعني العطاء،يستمد القسم الاول من الليتورجيا اسمه من عادة المسيحيين الاوائل تقديم الخبز والخمر وكل ما يحتاجه إقامة القداس الالهي.لذلك كل جزء من الخبز المستعمل في الليتورجيا تدعىprosphora وهي كلمة تعني :" تقدمة" . هذا الخبز يجب ان يكون مختمرا نقيا ،لان الرب يسوع نفسه استعمل في انشاء هذا السر المقدس خبزا مختمرا كما هو واضح من الكلمة اليونانية التي تشير له في العهد الجديد.يجب ان يكون خبز الذبيحة مدوَرا ومن جزين أحدهما فوق الاخر كرمز للطبيعتين البشرية والالهية في يسوع المسيح وايضا تشير الى العالم السماوي والعالم الارضي،وعلى الوجه العلوي للخبز يوضع الطابع (الختم) والذي تشكل مقاطعه الاربعة الكلمات اليونانية : ΝΙ ΚΑ" ΧΣ ΙΣ " وتعني: " يسوع المسيح الظافر."
هذا يدل على ان المسيح الحمل المذبوح من اجل خطايا العالم بملء ارادته،قد غلب بموته قوة الشيطان والخطيئة وأشركنا معه في غلبته التي تتجلى بصورة كاملة في مجيئه الثاني المجيد.وفي الكنيسة الاولى كان المؤمنون يأتون بتقدماتهم من الخبز والخمر ويضونها في غرفة تسمى الـ proskomidh.وكان الكهنة ينتقون منها ما يلزم لتميم سر الشكر.ان تقديم هذه القرابين يرمز لتقديم انفسنا الى الله بالاشتراك في ذبيحة ابنه،اذ ان هذا الخبز والخمر المقدمين هما قوت الانسان ويرمزان الى حياته وشخصه. فتقديهما اذا يرمز الى تقديم الشخصية والحياة لله.
ويجب ان يكون الخمر المستخدم في الذبيحة مصنوعا من العنب الاحمر لانه يذكرنا بلون الدم المسكوب عنا،وهو يمزج بالماء لكي يذكرنا بالدم والماء الذي خرج من جنب الرب عندما طعن على الصليب.تؤخذ خمسة أرغفة لاجل التقدمة (قرابين ام قدَاسات بالعامية)رمزا للارغفة الخمسة التي اطعم السيد منها خمسة آلاف،ذلك الحدث الذي علمهم به عن الخبز الحقيقي النازل من السماء والذي اعطي لنا في القداس الالهي(يوحنا 6:22- 58).جزء واحد هو "الحمل" يستعمل للمناولة المقدسة " فاننا نحن الكثيرين خبز واحد جسد واحد لاننا جميعا في الخبز الواحد " (1كورنثوس 17:10).تجري التقدمة في الهيكل(قدس الاقداس) في حفرة على يسار المائدة المقدسة بشكل مغارة تدعى "المذبح" .
ياخذ الكاهن خبزة التقدمةالاولى وينتزع منها الطابع ( الحمل)بواسطة الحربة ثم يصب ماء وخمرا بعدها يأخذ خبز التقدمة الثانية وينتزع منها مثلث من اجل والدة الاله ويضعه على يمين الحمل الموجود في منتصف الصينية ثم يأخذ خبزة التقدمة الثالثةوينتزع منها اجزاء الطغمات الملائكية والانبياء والرسل ورؤساء الكهنة القديسين والشهداء والابراء والقديسين العادمي الفضة و يواكيم وحنة جدي المسيح الاله والقديس الذي يحتفل بعيده او تذكاره في ذلك اليوم والقديس الذي تحمل الكنيسة التي تقام فيها السر اسمه واخيرا القديس الذي ألف الخدمة الليتورجية التي يجري الاحنفال بموجبها.وتوضع هذه الاجزاءعلى يسار الحمل على الصينية .ثم يأخذ خبزة التقدمة الرابعة وينتزع منها اجزاءعلى اسم مراتب طغمة الكهنوت والاكليروس وكل الاحياء.ويأخذ خبزة التقدمة الخامسة وينتزع منها اجزاءعلى اسم المسيحيين الارثوذكسيين السابق رقادهم .
اخيرا تؤخذ اجزاء من القرابين التي يقدمها المؤمنون من اجل خلاصهم وصحتهم وحياتهم ورحمة امزاتهم،وهذه الاجزاء توضع مع الاخرى على الصينية المقدسة تحت الحمل،في النهاية يغطي الكاهن تلاجزاء المرفوعة بفقطعة معدنية لها شكل النجمة،ثم بغطي الصينية والكأس بقطعة خاصة،ويرفعها مصليا للرب ان يبارك هذه القرابين المقدمة وان يذكر اولئك الذين قدموها واولئك الذين قدَمت من اجلهم .
كل الادوات والافعال المستخدمة في اتمام هذه الخدمة لها معان رمزية:فالصينية ترمز الى مغارة بيت لحم والى الجلجلة،والنجمة الى نجمة بيت لحم والى الصليب،والغطاء يرمز الى الاقمطة والى الاكفان، الكأس يرمز الى الكأس الذيبه قدس السيد الخمروحولَه الى دمه،الحمل الذي تم تحضيره يشير الى محاكمة المسيح وآلامه وموته،والطعن بالحربة يرمز الى القيام احد الجنود بطعن جسد المسيح ليتأكد من موته،وترتيب الاجزاء بهذا الشكل يشير الى ملكوت الله الداخلي واعضاؤه:مريم العذراء ، الملائكة،جميع القديسين ،المؤمنون الارثوذكسيين احياء واموات،وفي وسط الرأس الرب نفسه.رفعهم بشير الى ظل الروح القدس الذي تشترك نعمته في السر العظيم .
اذا مشاركتنا في الذبيحة الالهية تكمن في ان نقدم انفسنا والا فانها لا تعني شيئيا،لذلك التقدمة يجب ان تكون فعلا صادرة منا. لذلك في الكنيسة الاولى وعى المؤمنون هذه الحقيقة وكانوا هم يعجنون الخبز بعرق جبينهم ويتعبون بعصر الخمر ليقدموا الى الهيكل وذلك تعبيرا عن مشاركتهم الفعلية بالتقدمة.اما من لم يكن قادرا على تقديم شيء كالايتام والفقراء فكانوا يساهمون في التقدمة عبر جلب المياه وبذلك يقدمون تعب اجسادهم ذبيحة.