القسم الثالث من القداس الالهي
( قسم المؤمنين )
(10)
المناولة
الاستعداد للمناولة
يشدد آباء الكنيسة على ان هدف القداس الالهي هو اشتراك في المناولة المقدسة اي الاشتراك في جسد الرب ودمه الكريمين وهذا ما يميز القداس الالهي عن سائر الصلوات لذلك يفترض بكل مؤمن اشتراك في القداس الالهي ان يتوج عمله هذا بالمشاركة بالقدسات اي المناولة.
القداس الالهي ( المناولة) يسبقه الصوم وهذا تقليد الكنيسة القديم من خبرة القديسين الطويلة،من اعلان الكتاب المقدس حيث كل حدث هام .معاينة الله،يسبقه صوم بالاضافة الى ذلك يبتعد المؤمن منذ العيشة السابقة عن كل جو عالمي او ثقل في الطعام وفي الشراب وفي المعشر بل بالعكس يحاول ان يدخل في جو من التوبة والتخشع والانسحاق عن طريق التوبة والصلاة او قراءة الكلمة الالهية او قراءة المطالبسي (صلاة قبل المناولة) (هذه الصلوات التي يتلوها الكاهن المزمع ان يقيم القداس الالهي كما يتلوها كل مؤمن مزمع ان يتقدم من المناولة ،وتتألف هذه الصلوت اولا من قانون المطالبسي يتلى مع صلاة النوم الصغرى مساء الذي يسبق المناولة ثانيا،قانون يتلى في اليوم التالي يتألف من ثلاثة المزامير وثلاث طروباريات و9 افاشين ثالثا،صلوات يتلوها الكاهن او المؤمن قبل المناولةمباشرة.)،وكذلك عن طريق مصالحته مع اخوته واقربائه .
لذا تعلَم الكنسية ابناءها وتشجعهم على المناولة شرط الاستعداد الكلي لها والرهبة المطلوبة امام الاسرار الالهية لانها تخاف من ان يكون بعض الناس يقدمون للمناولة لان الاخرين يفعلون هذا بدون ان يعوا معنى ما يفعلون.
كما قلنا ان الاشتراك في المناولة يتطلب تهيئة روحية وجسدية هو ليس عملا ميكانيكيا كأي وجبة طعام بل هو طعام الهي .والتهيئة ليست عملا وليد ساعته يقوم به المؤمن انما هو عمل حياتي مستمر ودائم. التهيئة ضروري جدا"من يأكل هذا الخبز او يشرب كأس الرب بدون استحقاق يكون مجرما في جسد الرب ودمه"(1كورنثوس 11- 27 ).
لماذا الانجيل يصف هذا المتناول بانه مجرما ؟ الجريمة هي اشد درجات الخطأ .فاذا تناول الانسان بدون الاستحقاق فحينئذ لا يصبح فقط مخطئا بل مجرما في حق جسد الرب ودمه لانه يستهتر ويتعامل معه كما لو كان مجرد خبز بسيط ولا يعطيعه الاحترام اللائق بجسد الرب المقدس.
ان سبب شدة العقوبات هو ان المناولةهي جسد ودم حقيقي للرب.مثلما قال الرب نفسه:"جسدي مأكل حقيقي"" ودمي مشرب حقيقي" (يوحنا 6- 55) انه نفس جسد ودم الرب الذي قدمه عنا على الصليب هو نفس ذبيحة الصليب المقدسة الواحدة الغير المتكررة.
السؤال مادام الامر بهذه الخطورة فالاسهل لي ألا اتناول نهائيا؟ .كأنك تريد ان تحرم نفسك من الله هربا من طاعة وصاياه. ان التناول ضروري جدا لحياتنا الروحية وهذا هو كلام الرب نفسه :" ان لم تأكلوا جسد ابن الانسان وتشربوا دمه فليست لكم حياة فيكم "( يوحنا 6- 53) اي نحن نحرم انفسنا منه يعتبر انتحارا روحيا .
ان الله يدعونا للثبات فيه بالتناول فيقول :"من يأكل جسدي ويشرب دمي يثيت فيَ وانا فيه " ( يوحنا 6- 56 ) فهل ارفض الثبات في الله فاصبح فريسية سهلة للشيطان. ان الله يدعوني الى وليمته الروحية فهل ارفض دعوته او ارفض الغذاء الروحي الذي يعطيني الحيوية والقوة الروحية. لذلك فالكنيسة تدعونا لعدم الانقطاع عن التناول لاسابيع لئلا تقوى علينا الارواح الشريرة . لا يمكن للانسان بان يتحصن ضد الشيطان بدون التناول المتواصل لا الكبار والصغار بل ولا حتى القديسين النساك في الصحاري.
اذا قبل المناولة تتلى افاشين وصلوات ابتهالية التي بها نلتمس من الرب يسوع ان يجعلنا شركاء لعشائه السري ويؤهلنا لمناولة المقدسة باستحقاق وان تكون لشفاء نفوسنا واجسادنا لا لدينونة ولا لمحاكمة كيهوذا. وايضا تظهر ايماننا بالذي نتناوله من الكأس المقدسة بانه حقيقة جسد ودم الرب وذلك يقولنا :"اؤمن واعترف انك انت هو المسيح ابن الله الحي الذي اتيت الى العالم لتخليص الخطأة الذين انا اواهم واؤمن ان هذا جسدك الطاهر نفسه وهذا هو دمك الكريم عينه".
بعد ان يتناول الكاهن بخوف ورعدة يقبل الكأس ويقول :" هذهِ لامَسَتْ شفتيَّ، فتنزعُ آثامي وتُطهِّرُني من خطاياي" هذا الكلام قاله النبي اشعياء في الرؤية له لما دعي الى ان يكون نبيا ،اذ رأىملاك سرافيم طار اليه وبيده مجرة قد اخذها بملقط من المذبح ومس بها فمه . انها رمز للمسيح الذي من اجلنا ولاجلنا وضع نفسه لله الآب ذبيحة روحانية طاهرة ورائحة زكية . لم يجرؤ الملاك على ملامسة الجمرة بيده ،والجمرة ترمز الى المسيح .
المناولة
المناولة تسمى المناولة هكذا وتسمى ايضا سر الشكر او سر الشركة.تدعى مناولة لاننا نتناول فيها الله طعاما ونشاركه مجده وحياته ( القديس يوحنا الدمشقي).وتسمى الشركة الاسرار لاننا نشارك الله ونشارك القريب ونتحد بهما. تسمى سر الشكر لاننا نرفع لله القرابين الارضية (خبزا وخمرا) فيقدسها ويجعلها جسده ودمه(قرابين مقدسة) ولهذه نشكره على تقبله لتقدماتنا وللهدايا الثمينة التي يعيدها الينا ( الجسد والدم) وهذه القرابين هي كل شيء والقرابين المقدسة من الله هي من اجل كل شيء.
اثناء تلاوة صلاة المطالبسي والكينونيكون تجري في الهيكل مناولة الكهنة فيجزا الكاهن الحمل الى اربعة اجزاء ثم يأخذ الجزء المرسوم عليه ΙΣ (المسيح) ويرسم علامة الصليب على الكأس ثم يتحد الجسد الرب بدمه ثم يأخذ الزوان ويباركه ويسكب الماء الساخن الذي يرمز الى حرارة الايمان والمحبة التي سيجعلها الروح القدس في نفوس متناولي القربان ،ايضا تشير الى العنصرة وحلول الروح القدس على التلاميذ بالسنة نارية.
يأخذ جزء من الخبز المقدس ويتناوله وبعدها يأخذ الكأس ويتناول 3 مرات على اسم الآب والابن والروح القدس.ثم يضع في الكأس ما تبقى من اجزاء الحمل المجزأ ليتناول منها المؤمنين .ويقرع على الصينية المقدسة قائلا:" بخوف الله وايمان ومحبة تقدموا".فهذا الظهور للكأس في الباب الملوكي يرمز الى قيامة الرب وظهوره لتلاميذه وهنا يرتل الشعب " الله الرب ظهر لنا ".عندئذ يتقدم المؤمنون فيناولهم الكاهن.
"بخوف الله وايمان ومحبة تقدموا":هنا الذروة الثانية في القداس الالهي بعد الذروة استدعاء الروح القدس على القرابين .ان هدف القداس الالهي هو المناولة. وهنا شروط الدعوة خوف الله وايمان به ومحبة الله والقريب.فخوف الله اي ان نعي تماما ان الله هو خالق وهو الديان الحنون العادل ويضاف الى ذلك الايمان المستقيم الراي ايمانا بالله والثالوث وعمل الخلاص واخيرا المحبة محبة الله ومحبة القريب ومحبة الخلاص لانفسنا وللاخرين. المناولة تجعلنا متحدين مع يسوع ونصير كذلك واحد مع المشتركين من ذات الكأس لان يسوع هو من يوحدنا مع بعضنا البعض بالحقيقة .
في الايام الاولى من الكنيسة كان المؤمنون يتناولون الجسد ثم الدم بشكل منفصل اي يتقدمون بايادي متصالبة لتناول الجسد ( يضع المؤمن كفه الايمن فوق الايسر بشكل صليب) ثم يتقدمون الى الكأس المقدس ايضا هذا يحصل اليوم فقط مع الكهنة.
ايضا كان كل شخص يتناول بيده جسد الرب ويشرب بنفسه من دم الرب لكن لما بدأ بعض المسيحيين الذين قبلوا المسيحية حديثا يحملون معهم القداسات الى بيوتهم ثم يستخدموها في اغراض السحر والشعوذة ويتصرفون في الكنيسة بغير لياقة فكان كل منهم يدفع الاخر،صانعين شغبا. لهذا امر القديس يوحنا الذهبي الفم ألا يتناول الشعب الجسد والدم منفصلين بل يخلط معا ولا يعطيا للشعب في ايديهم بل بمعلقة مقدسة (مستير) تقوم مقام الملقط الذي لمس به الساروف الناري فم النبي اشعياء مذكرا ايانا ما هذا الذي تلمسه شفاهنا .
الوقوف اثناء التناول:
اثناء التناول يبتلع المؤمنون بمشاعر الحب المقدس والمخافة الالهية والفرح الداخلي والغبطة الكنسية لهذا يقفون مشتاقون للتنعم بهذه المائدة.
انهم العروس التي تقف لكي تضع يدها في يد عريسها تسمع صوت التطويب طوبى للمدعوين الى عشاء وعرس الحمل.
ان الشعب المجتمع الآن الواقف هو مثل كالنسوة حاملات الطيب عند القبر.
ترمز الشمعة المضاءة امام الباب الملوكي الى انتظارهن،وهي انتظار العذراى العاقلات للعريس باسرجتهن المهيأة والمضاءة.
الانتهاء من المناولة:
بعد انتهاء المناولة يبارك الكاهن الشعب ويقول :"خلص يارب شعبك وبارك ميراثيك"هنا يدعو الكاهن المؤمنين شعب الله ،نصير من شعب الله عندما نتحد مع يسوع بالمناولة ونصير اخوة له اي نصير كلنا ابناء الله وشعب واحد بعد ان كنا شعب متفرق كلنا جسد المسيح الواحد لاننا تناولنا الخبز الواحد (1 كورنثوس 10- 17).
ثم يدخل الكاهن الى الهيكل ويضع في الكأس المقدس ما تبقى من القرابين الموجودة على الصينية وهي الاجزاء التي تحمل العذراء والقديسين والاحياء والاموات ويقول :"اغسل يارب بدمك الكريم خطايا عبيدك المذكورين ههنا بشفاعة والدة الاله وجميع قديسيك" ثم يبخر الكأس 3 مرات ( تفسير ذلك فهو يشير الى نعمة الروح القدس الذي من العلو شدد التلاميذ بعد القيامة والصعود كما يقول القديس جرمانوس)قائلا :" إِرتفعْ اللَّهُمَّ على السماوات، وليكن مجدُكَ على الأرضِ كلِّها" في هذه اثناء يرتل الشعب :" قَدْ نظَرْنا النُّورَ الحقيقي، وأَخَذْنَا الرُّوحَ السماوي، ووجَدْنا الإيمانَ الحق، فلنسجُدْ للثالوثِ غيرِ المُنْقَسِم، لأنَّه خلَّصَنا " هذه اشارة الى ان المناولة تنير نفوسنا بنور الرب ونصير نحن ابناء النور عبر مناولتنا جسد ودم المسيح الذي هو النور والحق ويسكن فينا الروح القدس الذي يحييا ويجعلنا هياكل له. عندها نسجد للثالوث القدوس بحق.
بعد تبخير الكأس يعرض الكاهن الكأس والصينية للمرة الاخيرة وهذه صورة لصعود المسيح الى السماء،هذا الصعود يجري في كل مؤمن بالمناولة بصورة سرية اذ انه باتحاده مع المسيح اصبح جالسا معه سريا عن يمين الآب ومستقر في قلب الله . وبعد عرض الكأس والصينية يرتل الشعب :" ليمتلِئْ فمُنا من تسبحتِكَ يا رب، لكي نسبِّحَ مجدَك، لأنَّكَ أهَّلْتَنَا للإشتراكِ بأسرارِكَ المقدَّسة. إِحْفظنَا في قداستِك، لاهِجينَ طولَ النَّهارِ ببرِّك. هلِّلوييا ".
الشكر
بعدها ينقل الكاهن القرابين الى المذبح ويتلو طلبة الشكر:
" إِذْ قَدْ تناوَلْنا مُستقيمينَ أسرارَ المسيحِ الإلهيِّة، المقدَّسة، الطاهرة، غيرَ المائتة، السماويَّة، المُحِيية، المرهوبة، فلنشكُرِ الربَّ شُكراً لائِقاً ".
افشين الشكر:" نشكرُكَ أيُّها السيِّدُ المحبُّ البشر، المحسنُ إلى نفوسِنا، لأنَّكَ أَهَّلْتَنَا في هذا اليومِ أيضاً لأسرارِك السماويَّةِ غيرِ المائتة. فقوِّمْ طُرُقَنَا. ثَبِّتْنا جميعاً في خوفِك. واحفَظْ حياتَنا. وطِّدْ خَطَواتِنا، بصلواتِ وطلباتِ المجيدةِ والدةِ الإلهِ الدائمةِ البتوليَّةِ مريمَ، وجميعِ قدِّيسيك ، لأنَّكَ أنتَ تقديسُنَا، وإليكَ نرفعُ المجد، أيُّها الآبُ والابنُ والرُّوحُ القدُسُ، الآنَ وكلَّ أوانٍ وإلى دهرِ الدَّاهرين ".
نشكر الرب على النعمة التي اعطانا اياها، ولانه سمح لنا ان نشترك في مائدته السرية،وايضا لانه منحنا موهبة التقديس لاجل ذلك يعلن الكاهن :" لانك انت تقديسنا ولك نرفع لك المجد ايها …". يقول القديس يوحنا الذهبي الفم : "ان من يخرج من الكنيسة فورا بعد تناول القرابين المقدسة ولا ينتظر خمس دقائق الاخرى التي ستتلى فيها صلوات الشكر هو مثل يهوذا الذي خرج للتسليم وما زالت اللقمة من صفحة يسوع في فمه ".
تتلى صلاة شكر قصيرة قبل أن يخرج الجميع من الكنيسة قد وضعت خمس صلوات شكرية لكبار القديسين لكي يتلوها المؤمنون المتناولون بوقار وخشوع هكذا يكون القداس الإلهي " لقاء قمة " وذروة الحب والعطاء الإلهيين انه المثال الذي عليه يجب أن تنطبع كل حياتنا وبذلك تحقق الإنسانية والكون الذي يحيط بهما العودة إلى الآب والعيش الفردوسي وهذا هو معنى حقيقي للافخارستيا .
لذلك لا بد من أن نشكر الرب يسوع المسيح الذي فتح لنا أبواب الفردوس ومنح غفران الخطايا وكسر شوكة الموت 0 لذا الشكر عمل يجدد الإنسان ويلده ثانية ، ففيه نتعرف من جديد ونعترف بمصدر الحياة نفسها ومصيرها الإلهيين .ولهذا فالشكر يعود بنا إلى عرس الملكوت ويسمح لنا بمعاينة وجه الله وخليقته في سمائها وأرضها وتحقيق مجده 0 هكذا يبدو لنا الشكر قوة وحياة وتوق ورضى ومحبة تحول كل الأشياء التي منحنا إياها الله في العالم إلى معرفة الله وشركة معه 0 في الافخارستيا نقف أمام الله ونتذكر كل ما صنعه لاجلنا إذ نشكره على كل إحساناته ، نكتشف أن مضمون هذا الشكر كله هو المسيح ، وكل شكر هو شكر على المسيح 0 " فيه كانت الحياة والحياة كانت نور الناس " 0