احد الفريسي والعشار
لوقا (لو18: 10-14)
قال الرب هذا المثل إنسانان صعدا إلى الهيكل ليُصليا أحدهما فريسي والآخر عشّار. فكان الفريسي واقفاً يُصلي في نفسه هكذا اللهم إني أشكرك لأني لست كسائر الناس الخطفة الظالمين الفاسقين ولا مثل هذا العشار. فإني أصوم في الأسبوع مرتين وأعشِّر كل ما هو لي. أما العشار فوقف عن بعد و لم يُرد أن يرفع عينيه إلى السماء بل كان يقرع صدره قائلاً اللهم ارحمني أنا الخاطئ. أقول لكم إن هذا نزل إلى بيته مُبَرَّراً دون ذاك. لأن كل من رفع نفسه اتضع ومن وضع نفسه ارتفع.
+++ العظة+++
التواضع .. التواضع، وثم التواضع
باسم الآب والابن والروح القدس . آمين
ايها الاحباء: في هذا اليوم المبارك، نعتبر انفسنا كنسيا وروحيا دخلنا في جو الصوم الكبير المقدس. من بابه الروحي. هذا الاحد هو احد الفريسي والعشار، النص الانجيلي التي تلي عليكم يتحدث عن هذا المثل الذي اعطاه اياه يسوع لنا لنبدأ كموقف نتخذه على انفسنا مما اتى به الانجيل اليوم .
هذا يعني ان الانجيلي عندما يكتب لنا مثلا او تعليما او حادثة معينة من حياة الرب يسوع، فهو ينبغي من ذلك تعليمنا حتى نتبع خطى الرب يسوع ونحفظ وصاياه ونعمل بها .
يقول الانجيل انسانان ذهبا الى الهيكل ليصليا، كما أتيم انتم الآن الى الكنيسة لتصلوا، احدهم وقف مخاطبا ربه قائلا :" اشكرك ياربي اني لست مثل باقي الناس" وكأن واحد منا يقف الآن ويقول انا لست مثل باقي الناس. انا انسان صالح اصوم واصلي واساعد واذهب الى الكنيسة اقرأ واسمع الانجيل وارتل واعلَم.
اما الثاني فلم يتجرأ التقدم كثيرا من الهيكل بل وقف بعيد وبدأ يقرع صدره ويقول اللهم اغفر لي انا الخاطئ.
بهذه الروح التوبوية والصلاتية نادى ربه واعتبر ذاته دون باقي الناس هو خاطئ، لا يستحق من الله ان يكون بالقرب منه ، بل يريد المغفرة من لدنه.
هذا المثل يا احبائي: اراد به يسوع ان يعلمنا بان الانسان الذي يرضى عنه الله ليس فقط انه يدخل الى الصلاة والى الكنيسة متباهيا بصلاته وبمواهبه وبخدمته ، وليس لانه يظهر للاخرين انه يصوم ويساعد الفقراء، كل هذا لا يرضاه الله. الا اذا اتينا اليه بقلب منسحق متواضع. والقلب المنسحق المتواضع لا يرذله الله كما يقول كتابنا العزيز.
لهذا يشدد آباء الكنيسة القديسون على ان التواضع هو اول الفضائل المسيحية، وان التواضع هو الاساس الذي يبنى عليه بيت ملكوت الله ، وايضا التواضع هو الاساس الذي نبني عليه جميع الفضائل .
يقول القديس يوحنا الذهبي الفم :" التواضع هو اساس الفضيلة وكل شيء يحصل بفعل النعمة" ..والقديس اسحق السوري يقول :" باقتناء التواضع يمكن اقتناء الفضائل كلها وايضا طوبى لمن اقتنى التواضع لانه يغمر حضن يسوع ويقبَله في كل لحظة" .
من اجل هذا دعانا المسيح ان نكون متواضعين ، وقد كان الاتضاع والوداعة احدى صفات المسيح، التي جعلته محبوبا من الجميع. وايضا قد أتقن وعمل وعاش القديسون التواضع بصورة عجيبة ولم يتواضعوا فقط امام الله والناس ، بل امام الشياطين وهزموهم بهذا الاتضاع.
اليكم بعض امثال عن التواضع في حياة القديسين:
القديس العظيم انطونيوس ، عندما كان الشياطين يحاربونه في عنف، كان يرد عليهم باتضاع قائلاً : ] أيها الأقوياء ، ماذا تريدون مني أنا الضعيف ، وأنا عاجز عن مقاتلة أصغركم [ !! وكان يصلي إلى الله قائلاً : ] انقذني يا رب من هؤلاء الذين يظنون أنني شيء ، وأنا تراب ورماد [ … فعندما كان الشياطين يسمعون هذه الصلاة الممتلئة اتضاعاً ، كانوا ينقشعون كالدخان .
وفي إحدى المرات ظهر الشيطان للمتوحد الناسك القديس مقاريوس الكبير وقال له : " يا ويلاه منك يا مقاريوس ، أي شيء أنت تعرفه ونحن لا نعرفه ؟! أنت تصوم ، ونحن لا نأكل . وأنت تسهر ، ونحن لا ننام ، وأنت تسكن البراري والقفار ، ونحن كذلك ، ولكن بشيء واحد تغلبنا " فسأله عن هذا الشيء . فقال : " بتواضعك تغلبنا " ..
في مرة أخرى أبصر القديس انطونيوس فخاخ الشياطين منصوبة ، فألقى نفسه على الأرض أمام الله ، وصرخ قائلاً : ] يا رب ، من يستطيع أن يخلص منها ؟ [ فأتاه صوت يقول : ] المتواضعين يخلصون منها [ .
إن كان التواضع بهذه القوة التي تهزم الشياطين ، فما هو التواضع إذن ؟
التواضع هو ان تعرفوا ضعفكم وان تعرفوا سقطاتكم وخطايكم، وان تعاملوا انفسكم على هذا الاساس. ليس التواضع ان تشعر بانك كبيرا او عظيم وتحاول ان تخفي عظمتك امام الناس او الله. التواضع الحقيقي هو تواضع امام نفسك .
يشبَه القديس باسيليوس الكبير مثل هذا التواضع بـ "الجرائم المشرقة" اذ يقول:" أغلب أعمالنا هي خارجية وهدفها حب الظهور. نعتقد أنه بأعمالنا سنُبرَّر، لدينا ثقة بالنفس مبالغ فيها، لا نترك مجالاً للروح القدس كي يعمل فينا، نحاول تبرير ذواتنا بأعمالنا. إنّه لخطير في الحياة الروحية أن تكون شهرتنا أكبر من فضائلنا.
فقط التواضع، وليس الكلام عن التواضع أو التظاهر بالتواضع، يجعلنا نرى فضائل الآخرين وخطايانا. الإنسان الذي يُريد أن يَخلُص عليه أن يلبس رداء التواضع. المتواضع ليس ذاك الذي نُشفق عليه بل الذي يساعدنا على معرفة حالتنا الداخلية فنميّز أهوائنا ونطلب رحمة الرب. بدون هذه الفضيلة لا نتقدم روحياً."
لذلك يا احبائي التواضع هو معرفة الذات. إن عرفتم هذا ، فعاملوا انفسكم إذن بما تستوجبه هذه المعرفة ، ولا تطلبوا من الناس كرامة ولا مجداً . وإن حوربتم بهذا الأمر ، ردوا على انفسكم وقولوا: ] أنا لا أستحق شيئاً بسبب خطاياي .. وإن كان الله من كثرة رحمته قد ستر خطاياي عن الناس ، ولكنني أعرفها جيداً ولا أنساها لئلا أتكبر باطلاً [ ..
إحذروا من أن تنسوا خطاياكم ، لئلا تنتفخوا ،وتظنوا في نفسكم الظنون ، وتذكروا قول ذلك القديس الذي قال :
] إن نسينا خطايانا ، يذكرها لنا الله . وإن ذكرنا خطايانا ، ينساها لنا الله .
لهذا اعترفوا بخطاياكم أمام انفسكم ، وأمام الله ، وإن استطعتم فأمام الناس أيضاً.
الانسان المتواضع لا يدعي انه خاطئ ومتواضع اذا لم يشعر بالخطأ في اعماقه ، يقول القديس اسحق السوري ان حقرَت ذاتك لكي يكرمك الناس ، فالرب يفضحك.
اذن التواضع هو حياة ونهج وسيرة ومسيرة مع الله ، لا تنتهي ، تتطلب صلاة كثيرة وانسحاق قلب ، هو هذا الصليب بعينه ، الذي صلب عليه يسوع ، بتواضع كبير في وداعة وانسحاق. لذلك كونوا من المصلوبين وليس من الصالبين.
اخيرا تذكروا دائما ما قالته مريم العذراء في نشيدها لما أتت او دخلت بيت اليصابات اذ قالت:" ان الرب القدير حطَ المتكبرين ورفع المتواضعين".
تواضعوا امام الله ولا تعتبروا انفسكم خيرا من غيركم ولا تنتقدوا سلوك الاخرين.
ايضا تذكروا ان هدف صلاتكم هو تمجيد الله وشكره تعالى ، اطلبوامن الله وانتم في بيته المقدس ان يغفر لكم خطاياكم ، ويزيدكم نعمة فوق نعمة ويجعلها تتلالا في قلوبكم تحت عيون الله.
وكلما تدخلون بيت الله فلا تعملوا مثل الفريسي المتكبر ، بل اسجدوا وانبحطوا شاكرين له بعواطف الايمان والمحبة وعرفان الجميل على كل نعمة وموهبة منحكم اياها الرب يسوع .
هذه افضل طريقة لعيش الروحي والسعي الدائم الى العيش مع يسوع والاتحاد العميق به، اسلكوا طريق التواضع حتى تصلوا في نهاية مسيرة الصوم وتعلنوا مع الملائكة قائلين المسيح قام . امين
قال الرب هذا المثل إنسانان صعدا إلى الهيكل ليُصليا أحدهما فريسي والآخر عشّار. فكان الفريسي
واقفاً يُصلي في نفسه هكذا اللهم إني أشكرك لأني لست كسائر الناس الخطفة الظالمين الفاسقين
ولا مثل هذا العشار. فإني أصوم في الأسبوع مرتين وأعشِّر كل ما هو لي. أما العشار فوقف عن
لكم إن هذا نزل إلى بيته مُبَرَّراً دون ذاك. لأن كل من رفع نفسه اتضع ومن وضع نفسه ارتفع
قدس الب باسيليوس محفوض المحترم:
تحياتي لك..بحثت كثيراً عن بريدك في الموقع دون أن أجده..لماذا لا يكون هنالك أيقونة للاتصال بالموقع مثلاً:
أتمنى أن تزور موقعي وخاصة لترى مقالك عن الحزن والفرح فيها
اضغط على هذا الرابط لو سمحت:
http://ghaith-a.com/archives/12091