العودة الى الفردوس
احد الغفران
طرد آدم وحواء من الفردوس
متى (6: 14-21):
قال الرب إن غفرتم للناس زلاتهم يغفر لكم أبوكم السماوي أيضاً* وإن لم تغفروا للناس زلاتهم فأبوكم أيضاً لا يغفر لكم زلاتكم* ومتى صمتم فلا تكونوا معبسين كالمرائين. فإنهم ينكّرون وجوههم ليظهروا للناس صائمين. الحق أقول لكم إنهم قد أخذوا أجرهم* أما أنت فإذا صمت فادهن رأسك واغسل وجهك لئلا تظهر للناس صائماً بل لأبيك الذي في الخفية. وأبوك الذي يرى في الخفية يجازيك علانية* لا تكنزوا لكم كنوزاً على الأرض حيث يُفسد السوس والآكلة وينقب السارقون ويسرقون* لكن اكنزوا لكم كنوزاً في السماء حيث لا يفسد سوس ولا آكلة ولا ينقب السارقون ولا يسرقون* لأنه حيث تكون كنوزكم هناك تكون قلوبكم*
العظة
من لا يغفر من قلبه لاخيه الذي أساء اليه لا يجلب او لا ياخذ لنفسه بالصلاة غفرانا بل دينونة
ان ابواب رحمة الله تفتح امام اللصوص والقاتلين والزناة والعشارين وسائر الخطاة لكنها تغلق امام الحاقد
ان عفرتم زلاتهم يغفر لكم
ايها الاحباء: غدا انشالله سندخل في مسيرة الصوم الكبير المقدس ، ونكون وجها لوجه امام التحديات والجهادات الروحية، لذا تدعونا الكنيسة بان ندخل هذا الزمن المقدس بنشاط ومطهرين اجسادنا ونفوسنا ، بعد ان وضعتنا وهيئتنا الكنيسة لدخول الصوم واعطتنا الوقود الروحي، لان نبدأ مسيرتنا الجهادية نحو الفصح بخطوات ثابتة، من خطوة التواضع وخطوة الابن الشاطر المأخوذة مثالا للتوبة وخطوة محبة القريب اي ان الصوم في نهاية هو تعبير عن محبة .
اليوم تعطينا الكنسية من خلال الانجيل الذي تلي عليكم الخطوة الاخرى التي تثبت اقدامنا في طريق جهادنا الروحي وهي خطوة الغفران والصوم الحقيقي .
لهذا يؤكد انجيل اليوم اهمية ان نغفر للاخرين كي يغفر لنا . فيقول الرب :"اغفروا يغفر لكم " (لوقا 6: 37) كما يقول الرب ايضا في الصلاة التي علمها لتلاميذه :"اترك لنا ما علينا كما نترك نحن لمن لنا عليه.."
يعني إن غفرتم للناس زلاتهم يغفر لكم أيضا أبوكم السماوي. وإن لم تغفروا للناس زلاتهم لا يغفر لكم أبوكم أيضا زلاتكم" (مت 6: 12 و14 و15). فالاستعداد للغفران للآخرين دليل على أننا قد تُبنا حقيقة. كما يجب أن يكون الغفران من كل القلب، فهو ينبع من غفران المسيح لنا. لذلك يجب أن يكون مثل غفران المسيح "كما غفر المسيح لكم هكذا أنتم أيضاً" (كو 3: 13). وقد شدد المسيح مراراً عديدة على ذلك، كما في مثل العبد الشرير (مت 18: 23-35).
والسؤال كيف نصل الى الغفران؟
ان اساس المقدرة على الغفران او الصفح ليس على المشاعر بل بالعقل وبالقلب وبالصلاة . الصفح او الغفران هو قرار العقل بالتخلص من الغضب والكراهية. اي ان العقل يقوم بمحاولة الفصل بين الفعل عن الفاعل .
ويجب ان ننظر الى من اقترف الفعل بصفته انسان ضعف في لحظة ما،ويحتاج الى محبتي ومعونتي ليعود قويا، واقوم بجهد ان اتفهم الفاعل قبل ان احكم عليه.فقد يكون بحاجة الى شفقتي اكثر من حاجته الى نقمتنا .
ايضا علي ان اواجه المشاعر الكراهية التي في داخلي ، فمشاعر الكراهية في داخلي تلوَث النفس وتنعكس على تصرفاتي ، لذلك عندما نرفض ان نغفر لغيرنا ننقص من انسانيتنا ونؤذي انفسنا ، لهذا فنحن تحتاج الى قوة فائقة الطبيعة تساندنا على المغفرة ، وهذه القوة لا يمنحها الا الله . من هنا الله وحده يغفر وهو الذي يمنحنا القوة لنغفر .
نحن هنا في قلب صلاة "أبانا الذي". " اترك لنا ما علينا كما نترك نحن لمن لنا عليه..". الجملة عميقة. معناها أن غفرنا نحن لغيرنا، شرطٌ مسبق كي نطلب نحن الغفران من الله. هذا لا يعني أن الله يغفر لنا خطايانا من مبدأ التبادل (إن غفرتَ أنت لغيرك أغفر أنا لك). فغفراننا لخطايا الآخرين ليس شرطًا لغفران الله لنا، بل شرطُ لنكون قادرين لطلب غفران الله لنا. أساسًا، حتى لو غفرنا نحن من كلّ قلبنا لا يمكننا أن نغفر كما يغفر الله. لأن الله عندما يغفر يشفي.
لذا نقول أن الغفران ركنٌ أساسي من أركان الحياة المسيحية، وبالذات في وقت الصوم والتوبة الذي هو "وقت متميّز ومقبول الآن" للتصالح مع الله ومع القريب. ميزة الانسان المسيحي هي المقدرة على الغفران. وعندما يقوم المؤمن بذلك، فإنه يصبح خير شاهدٍ لله. وبدون هذه الميزة تبقى مختلف التعبّدات الخارجية ( الصوم والصلاة والمناولة…) مجرّد أعمال خارجية نختفي خلفها لكنها لا تقرّبنا من الله بأي شكل من الأشكال لمجرّد أنها لا تقرّبنا من الآخر. ألا يقوم الإيمان المسيحي على ذبيحة الصليب غفرانًا لخطايا البشر؟.
ايضا يعلمنا الرب يسوع من خلال النص الانجيلي الذي قرأناه ، بان لا نصوم على طريقة الفريسيين المرائين لاجل نيل المديح من الناس ، بل نصوم في الخفاء لوجه الله. الصوم ليس لاظهار التقوى للناس الاخرين .
الصوم يجعل الانسان متواضعا ويميله الى الصلاة، وتجعله يشعر بحاجة للتقرب من الله. الصوم هو ليساعد الانسان على نسيان الامور المادية والتركيز على الله وحده.
"الصوم ضروري للانسان لكي يستطيع ان يطهر ذهنه،وان ينهض ويحسَن احاسيه ويحرك ارادته نحو الاعمال الصالحة" كما يقول القديس يوحنا كرونستاد
مما يلفت النظر في انجيل اليوم الطابع او صفة الخفية عندما يتكلم عن الاحسان وعن الصلاة والصوم ، ان هذه مترابطة كما يقول القديس باسيليوس الكبير :" الصوم هو مثل طير له جناحان ، الصلاة والرحمة لا يستطيع ان يطير وان يحلق بدون جناحيه " ويضيف ان الصوم يعطي للصلاة قوة اكثر زيادة حرارة وكذلك الرحمة.
الا ان هناك البعض يدعي بانه لا يهم ان كلنا طعاما غير صيامي في زمن الصوم وان موضوع الصيام ليس فقط في الاطعمة الدسمة او الصيامية.
ولكن لاي سبب ولماذا انحرفت قلوبنا عن الله نحو غيره من الامور الدنيوية ، ومقابل ماذا نخسر الحياة الابدية ونضحي بها أليس عبادتنا لشهواتنا.
ما السبب الذي جعل آدم وحواء يخسران الفردوس ويسقطان في الخطيئة والموت، ألم يكون الطعام والشراب .
يتساءل القديس يوحنا كرونستاد لماذا نصير جسدانيين فقط أليس فينا روح ايضا، فلماذا لا نصير روحانيين .كيف بعد هذا كله يقول انسان انه ليس ضرويا ان نأكل اطعمة غير صياميةا ثناء الصوم ، هذا الذي يتكلم مثل هذا بسبب الكبرياء لانه بالضبط يريد ان يعمل مشيئته الذاتية لا مشيئة الله المخلصة.
نعم يا احبائي اعطي للانسان كل الثمار واللحوم من الحيوانات للاكل ، ولكن ليس من اجل الاهواء وليس فقط من اجل اللذة . المسيحي عنده الكثير من الملذات والمسرات والالهية عليه ان يخضع ملذته الجسدية لها.
لهذا فكثير من الاطعمة ممنوعة ليس من اجل التحديد من حرية الانسان. او من اجل احزانه، ولكن لكي يفتح المجال للملذَات الروحية الاثبت والاكثر دواما ان تحل محلها . لهذا تمنع الكنيسة بعض المآكل الزفرية والمشروبات الروحية في فترة الصيام ، ليس الا لان الانسان كائن محبوب عند الله ، ولكي لا يلتصق قلبه بالامور الفاسدة الباطلة بدلا من الله.
لذلك يا احبتي الصوم هو العودة الى الفدروس ، هو اعادة شركتنا مع الله والعودة اليه والالتصاق به واقامة علاقة حميمية مع الله ها هو وقت مقبول الآن للعودة عودوا الى الله كي يعود اليكم ، واكبر مثلا ومثال لهذه العودة هو القديس مارون الارثوذكسي الانطاكي الذي عاد الله اليه ولهذا تلقبَه كنيستنا بـ "مارون الالهي" فبشفاعة قديسنا البار مارون الذي نعيَد له اليوم وبركة ونعمة الصوم تكون معكم وتحل عليكم وتجعلكم تتخطون الى نهاية مسيرة الصوم وانتم تصعدون يوما فيوما وتتقربون من الله لتصلوا الى يوم الفصح وانتم الهيون ومقدسون حتى تصرخوا باعلى صوتكم المسيح قام.
كل صوم وانت مباركين . آمين